مناقب آل ابی طالب المجلد 9

اشارة

عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.

مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.

مشخصات ظاهری:12ج

وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت:ج.9. (چاپ اول)

شماره کتابشناسی ملی:2481606

ص: 1

اشارة

مناقب آل أبي طالب

تأليف الإمام الحافظ رشيد الدين أبي عبد اللّه محمد بن علي بن شهرآشوب

الجزء التاسع

تحقيق السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

باب في إمامة السبطين عليهماالسلام

اشارة

ص: 5

ص: 6

فصل 1 : في الاستدلال على إمامتهما عليهماالسلام

اشارة

ص: 7

ص: 8

الآيات

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ

قال اللّه تعالى : « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ » ، ولا اتّباع أحسن من اتّباع الحسن والحسين عليهماالسلام .

وقال تعالى : « أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » ، فقد ألحق اللّه بهما ذرّيّتهما برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وشهد بذلك كتابه ، فوجب لهم الطاعة بحقّ الإمامة مثل ما وجب للنبي صلى الله عليه و آله لحقّ النبوة .

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ . .

وقال - تعالى - حكاية عن حملة العرش : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ » .

ص: 9

وقال أيضا : « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ » .

ولا يسبق النبي صلى الله عليه و آله في فضيلة ، وليس أحقّ بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه وذريّته ، فقد وجب لهم الإمامة .

الاستدلال بالنصّ على إمامة الإثني عشر

ويستدلّ على إمامتهما بما رواه الطريقان المختلفان ، والطائفتان المتباينتان من نصّ النبي صلى الله عليه و آله على إمامة الإثني عشر ، وإذا ثبت ذلك ، فكلّ من قال بإمامة الإثني عشر قطع على إمامتهما .

الاستدلال بدعوتهما الناس الى بيعتهما

ويدلّ أيضا ما ثبت بلا خلاف : أنّهما عليهماالسلام دعوا الناس إلى بيعتهما والقول بإمامتهما ، فلا يخلو من أن يكونا محقّين أو مبطلين .

فإن كانا محقّين فقد ثبتت إمامتهما عليهماالسلام ، وإن كانا مبطلين وجب القول بتفسيقهما وتضليلهما ، وهذا لا يقوله مسلم .

الاستدلال بانطباق النصّ والوصف عليهما

ويستدلّ أيضا بأنّ طريق الإمامة لا يخلو إمّا أن يكون هو النصّ ، أو الوصف والاختيار ، وكلّ ذلك قد حصل في حقّهما ، فوجب القول بإمامتهما .

ص: 10

الاستدلال بفسق وكفر معاوية ويزيد

ويستدلّ أيضا بما قد ثبت بأنّهما خرجا وادّعيا ، ولم يكن في زمانهما غير معاوية ويزيد ، وهما قد ثبت فسقهما ، بل كفرهما ، فيجب أن تكون الإمامة للحسن والحسين عليهماالسلام .

الاستدلال بإجماع أهل البيت عليهم السلام

ويستدلّ أيضا بإجماع أهل البيت عليهم السلام ، لأنّهم أجمعوا على إمامتهما عليهماالسلام ، وإجماعهم حجّة .

الاستدلال بقوله صلى الله عليه و آله إمامان قاما أو قعدا

ويستدلّ بالخبر المشهور أنّه قال صلى الله عليه و آله : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا(1) ، أوجب لهما الإمامة بموجب القول سواء نهضا بالجهاد ، أو قعدا عنه ، دعيا إلى أنفسهما أو تركا ذلك .

الاستدلال بكونهما أفضل الخلق

وطريقة العصمة والنصوص ، وكونهما أفضل الخلق يدلّ على إمامتهما .

ص: 11


1- الإرشاد للمفيد : 2/30 ، الفصول المختارة : 303 ، تفسير مجمع البيان : 2/37 و4/104 و8/165 ، اعلام الورى : 1/407 ، ألقاب الرسول وعترته : 49 ، النكت للمفيد : 48 .
الاستدلال بكون الخلافة في أولاد الأنبياء

وكانت الخلافة في أولاد الأنبياء عليهم السلام ، وما بقي لنبينا صلى الله عليه و آله ولد سواهما عليهماالسلام .

الاستدلال بقبول النبي صلى الله عليه و آله بيعتهما

ومن برهانهما بيعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لهما ، ولم يبايع صغيرا غيرهما(1) .

الاستدلال بإيجاب ثواب الجنّة لهما مع ظاهر الطفولية

ونزول القرآن بإيجاب ثواب الجنّة عن عملهما مع ظاهر الطفولية(2) منهما ، قوله تعالى: « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ » الآيات، فعمّهما بهذا القول مع أبويهما عليهم السلام.

الإستدلال بالمباهلة

وادخالهما عليهماالسلام في المباهلة ، قال ابن(3) علان المعتزلي : هذا يدلّ على أنّهما كانا مكلّفين في تلك الحال ، لأنّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين(4) .

وقال أصحابنا : إنّ صغر السنّ عن حدّ البلوغ لا ينافي كمال العقل وبلوغ الحلم حدّا لتعلّق الأحكام الشرعية ، فكان ذلك لخرق العادة .

ص: 12


1- المعجم الكبير للطبراني : 3/115 رقم 2843 ، تاريخ دمشق : 14/180 .
2- الخرائج : 2/889 .
3- في المصادر : «أبي » .
4- تفسير التبيان للطوسي : 2/485 ، تفسير مجمع البيان : 2/310 .

فثبت بذلك أنّهما كانا حجّة اللّه لنبيه صلى الله عليه و آله في المباهلة مع طفولتيهما ، ولو لم يكونا إمامين لم يحتجّ اللّه بهما مع صغر سنّهما على أعدائه ، ولم يتبيّن في الآية ذكر قبول دعائهما .

ولو أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجد من يقوم مقامهم عليهم السلام غيرهم لباهل بهم أو جمعهم معهم ، فاقتصاره عليهم عليهم السلام يبيّن فضلهم ونقص غيرهم(1) .

وقد قدّمهم في الذكر على الأنفس ليبيّن عن لطف مكانهم وقرب منزلهم ، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس معدّون بها .

وفيه دليل لا شيء أقوى منه : أنّهم أفضل خلق اللّه (2) .

واعلم أنّ اللّه - تعالى - قال في التوحيد والعدل : « قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ » .

وفي النبوة والإمامة : « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ » .

وفي الشرعيات والأحكام : « قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ » .

وقد أجمع المفسّرون بأنّ المراد بأبنائنا الحسن والحسين عليهماالسلام .

قال أبو بكر الرازي : هذا يدلّ على أنّهما ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنّ ولد الابنة ابن على الحقيقة(3) .

وحديث المباهلة رواه الترمذي في جامعه ، وقال : هذا حديث حسن(4) .

ص: 13


1- تفسير مجمع البيان : 2/310 .
2- تفسير الكشاف للزمخشري : 1/432 .
3- تفسير مجمع البيان : 2/310 .
4- سنن الترمذي : 4/493 رقم 4085 ، وقال : « هذا حديث حسن صحيح » .

وذكر مسلم : أنّ معاوية أمر سعد بن أبي وقاص أن يسبّ أبا تراب ، فذكر قول النبي صلى الله عليه و آله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر . وقوله : لأعطين الراية غدا رجلاً . . الخبر . وقوله تعالى : « نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ »(1) . . القصّة .

وقد رواه أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص : قال لعلي عليه السلام ثلاث ، فلئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم . . ثم روى الخبر بعينه(2) .

وفي أخرى لمسلم : قال سعد بن أبي وقّاص : لمّا نزلت قوله تعالى « فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ » ، دعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقال : اللّهم هؤلاء أهلي(3) .

أبو نعيم الأصفهاني فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال الشعبي :

قال جابر : « وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » رسول اللّه وعلي عليهماالسلام « أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ »الحسن والحسين عليهماالسلام « وَنِساءَنا » فاطمة(4) عليهاالسلام .

ص: 14


1- مسلم : 7/120 ، سنن الترمذي : 5/301 رقم 3808 .
2- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 1/537 ، أمالي الطوسي : 307 ح616 ، المستدرك للحاكم : 3/108 ، مسند سعد بن أبي وقاص للدورقي : 51 ، بشارة المصطفى : 313 ح22 ، المناقب للخوارزمي : 108 .
3- مسلم : 7/120 .
4- دلائل النبوة لأبي نعيم : 1/283 .
أسانيد حديث المباهلة

وروى الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن عبد اللّه بن أحمد بن حنبل عن أبيه(1) .

وروى ابن البيع في معرفة علوم الحديث عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس(2) .

وروى مسلم في الصحيح(3) .

والترمذي في الجامع(4) .

وأحمد بن حنبل في المسند(5) ، وفي الفضائل أيضا(6) .

وابن بطّة في الإبانة .

وابن ماجة القزيني في السنن .

والأشنهي في اعتقاد أهل السنة .

والخركوشي في شرف النبي(7) صلى الله عليه و آله .

وقد رواه محمد بن إسحاق .

وقتيبة بن سعيد .

ص: 15


1- أسباب النزول للواحدي : 68 .
2- معرفة علوم الحديث للحاكم : 1/50 .
3- مسلم : 7/120 .
4- سنن الترمذي : 4/293 رقم 4085 .
5- مسند أحمد : 1/185 .
6- فضائل الصحابة لأحمد : 2/776 رقم 1374 .
7- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 144 .

والحسن البصري .

ومحمود الزمخشري .

وابن جرير الطبري .

والقاضي أبو يوسف .

والقاضي المعتمد أبو العباس .

وروي عن ابن عباس .

وسعيد بن جبير .

ومجاهد .

وقتادة .

والحسن .

وأبي صالح .

والشعبي .

والكلبي .

ومحمد بن جعفر بن الزبير .

وأسد(1) .

ص: 16


1- تفسير الكشاف للزمخشري : 1/434 ، تفسير جامع البيان للطبري : 3/404 وما بعدها ، تفسير ابن أبي حاتم : 2/667 ، تفسير السمرقندي : 1/245 ، تفسير الثعلبي : 3/85 ، تفسير السمعاني : 1/327 ، المناقب لابن مردويه : 226 ، الفضائل لابن عقدة : 185 ، بشارة المصطفى : 352 ، مصباح المتهجد للطوسي : 759 ، الفصول المختارة للمرتضى : 38 .

أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني :

عن شهر بن حوشب .

وعن عمر بن علي .

وعن الكلبي .

وعن أبي صالح .

وعن ابن عباس .

وعن الشعبي .

وعن الثمالي .

وعن شريك .

وعن جابر .

وعن أبي رافع .

وعن الصادق عليه السلام .

وعن الباقر عليه السلام .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام .

وقد اجتمعت الإمامية والزيدية مع اختلاف رواياتهم على ذلك .

مجمع حديث المباهلة

ومجمع الحديث من الطرق جميعا :

إنّ وفد نجران كانوا أربعين رجلاً ، وفيهم : السيّد ، والعاقب ، والقيس ، والحارث ، وعبد المسيح بن يونان أسقف نجران .

ص: 17

فقال الأسقف : يا أبا القاسم ! موسى عليه السلام من أبوه ؟ قال : عمران .

قال : فيوسف عليه السلام من أبوه ؟ قال : يعقوب عليه السلام .

قال : فأنت من أبوك ؟ قال : أبي عبد اللّه بن عبد المطلب .

قال : فعيسى عليه السلام من أبوه ؟ فأعرض النبي صلى الله عليه و آله عنهم ، فنزل : « إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ » الآية ، فتلاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فغشي عليه .

فلمّا أفاق قال : أتزعم أنّ اللّه - تعالى - أوحى إليك : أنّ عيسى خلق من تراب ؟! ما نجد هذا فيما أوحى إليك ، ولا نجده فيما أوحى الينا ، ولا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم ، فنزل : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ » الآية .

قال : أنصفتنا - يا أبا القاسم - فمتى نباهلك ؟

فقال : بالغداة إن شاء اللّه .

وانصرف النصارى ، فقال السيّد الحارث : ما تصنعون بمباهلته ؟ قال : إن كان كاذبا ما تصنع بمباهلته شيئا ، وإن كان صادقا لنهلكّن .

فقال الأسقف : إن غدا فجاء بولده وأهل بيته ، فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فليس بشيء .

فغدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله محتضنا الحسين عليه السلام ، آخذا بيد الحسن عليه السلام ، وفاطمة عليهاالسلام تمشي خلفه ، وعلي عليه السلام خلفها .

وفي رواية : آخذا بيد علي عليه السلام ، والحسن والحسين عليهماالسلام بين يديه ، وفاطمة عليهاالسلام تتبعه .

ص: 18

ثم جثى بركبتيه ، وجعل عليا عليه السلام أمامه بين يديه ، وفاطمة عليهاالسلام بين كتفيه ، والحسن عليه السلام عن يمينه ، والحسين عليه السلام عن يساره ، وهو يقول لهم : إذا دعوت فأمّنوا .

فقال الأسقف : جثى - واللّه - محمد صلى الله عليه و آله كما يجثو الأنبياء للمباهلة ، وخافوا ، فقالوا : يا أبا القاسم ، أقلنا ، أقال اللّه عثرتك ، فقال : نعم ، قد أقلتكم .

فصالحوه على ألفي حلّة ، وثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين حملاً .

ولم يلبث السيّد والعاقب إلاّ يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه و آله وأسلما ، وأهدى العاقب له حلّة وعصا وقدحا ونعلين(1) .

وروي أنّه قال النبي صلى الله عليه و آله : والذي نفسي بيده ، إنّ العذاب قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولأضرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا(2) .

وفي رواية: لوباهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم اللّه عليكم نارا تأجّج، ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين ، فأحرقتهم تأجّجا(3) .

ص: 19


1- تفسير الكشاف : 1/434 ، تفسير مجمع البيان : 2/310 ، تاريخ المدينة لابن شبة : 2/582 ، تاريخ اليعقوبي : 2/282 ، السيرة لابن هشام : 2/422 ، تنبيه الغافلين لابن كرامة: 31، المناقب للخوارزمي: 259، روضة الواعظين: 163، الإرشاد للمفيد: 1/168.
2- أحكام القرآن للجصاص : 2/10 ، شواهد التنزيل للحسكاني : 1/156 ، الفضائل لابن عقدة : 185 .
3- الإختصاص للمفيد : 115 .

وفي رواية : لو لاعنوني لقلعت دار(1) كلّ نصراني في الدنيا(2) .

وفي رواية : أما - والذي نفسي بيده - لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم بشر(3) .

وكانت المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة(4) ، وروي يوم الخامس والعشرين ، والأوّل أظهر(5) .

قال الحميري :

تعالوا ندع أنفسنا فندعو

جميعا والأهالي والبنينا

وأنفسكم فنبتهل ابتهالاً

إليه ليلعن المتكبّرينا

فقد قال النبي وكان طبّا

بما يأتي وأزكى القائلينا

إذا جحدوا الولاء فباهلوهم

إلى الرحمن تأتوا غالبينا(6)

* * *

وله أيضا :

ولقد عجبت لقائل لي مرّة

علامة فهم من الفهماء

أهجرت قومك طاعنا في دينهم

وسلكت غير مسالك الفقهاء

ألا مزجت بحبّ آل محمد

حبّ الجميع فكنت أهل وفاء

ص: 20


1- في الروضة : « لقطعت دابر » .
2- روضة الواعظين : 164 .
3- روضة الواعظين : 164 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 2/341 .
4- المبسوط للطوسي : 1/40 .
5- مصباح المتهجد للطوسي : 759 .
6- ديوان السيّد الحميري : 435 رقم 181 .

فأجبته بجواب غير مباعد

للحقّ ملبوس عليه غطاء

أهل الكساء أحبّتي فهم اللذوا

فرض الإله لهم عليّ ولائي

ولمن أحبّهم ووالى دينهم

فلهم عليّ مودّة بصفاء

والعاندون لهم عليهم لعنتي

وأخصّهم منّي بقصد هجاء(1)

* * *

وله أيضا :

أو لم يقل للمشركين وكذّبوا

بالوحي واتّخذوا الهدى سخريّا

قوموا بأنفسنا وأنفسكم معا

ونساؤنا وبينكم وبنيّا

ندعو فنجعل لعنة اللّه التي

تغشى الظلام العاند المشنيّا

نصب الكساء فكان فيه خمسة

خير البريّة كلّها إنسيّا(2)

* * *

وله أيضا :

وفي أهل نجران عشية أقبلوا

إليه وحجّوا بالمسيح فأبدعوا

وردّوا عليه القول كفرا كذّبوا

وقد سمعوا ما قال فيه وارعووا

فقالوا تعالوا ندع أبناءنا معا

وأبناءكم ثم النساء فأجمعوا

وأنفسنا ندعوا وأنفسكم معا

ليجمعنا فيه من الأصل مجمع

فقالوا نعم فاجمع نباهلك بكرة

وللقوم فيه شرّة وتسرع

ص: 21


1- ديوان السيّد الحميري : 52 رقم 3 .
2- ديوان السيّد الحميري : 462 رقم 200 .

فجاؤوا وجاء المصطفى وابن عمّه

وفاطم والسبطان كي يتضرّعوا

إلى اللّه في الوقت الذي كان بينهم

فلمّا رأوهم أحجموا وتضعضعوا(1)

* * *

وله أيضا :

وبكرن علقمة النصارى أذعنت

في عزّها والباذخ المتعقد

إذ قال كرز هاؤموا أبناءكم

ونساءكم حتى نباهل في غد

فأتى النبي بفاطم ووليّها

وحسين والحسن الكريم المصعد

جبريل سادسهم فأكرم سادس

وأخير منتجب لأفضل مشهد(2)

* * *

وقال العوني في مذهته :

أما سمعتم خبر المباهله

أما علمتم أنّها مفاضله

بين الورى فهل رأى من عادله

في الفضل عند ربّه ما حامله

فيها ولا قرّبه نجيّا

إذ كان غير ناطق عن الهوى

إلاّ بأمر مبرم من ذي العلى

فكيف أقصاهم وأدنى المحتوى

إذا لقد ضلّ ضلالاً وغوى

ولم يكن حاشا له غويّا

* * *

ص: 22


1- ديوان السيّد الحميري : 184 رقم 111 .
2- ديوان السيّد الحميري : 190 رقم 61 .

وله أيضا :

هذا وقد شبّهه هارون من

موسى فهل لملكهم مثالها

هذا وقد شاركه يوم العبا

في نفسه فابتهل ابتهالها

وليلة الفراش من قال لها

قال علي مسرعا أنا لها

* * *

وقال ابن الرومي :

من مثل عترة أحمد ووصيّه

والخلق والخلق المهذّب والحجى

* * *

وقال الصاحب :

أفي رفعه يوم التباهل قدره

وذلك مجد ما علمت مواظب

أفي ضمّه يوم الكساء وقوله

هم أهل بيتي حين جبريل حاسب

* * *

وقال ابن الرومي :

قوم بهم قال النبي مباهلاً

وعليهم مدّ النجاد الأحرجا

عرج الأمين أخا من حبّه

وأبى بغير إخوة أن يعرجا

* * *

وقال خطيب منبج :

تعالوا ندع أنفسنا جميعا

وأهلينا الأقارب والبنينا

فنجعل لعنة اللّه ابتهالاً

على أهل العناد الكاذبينا

* * *

ص: 23

وقال ابن العودي :

هم باهلوا نجران من داخل العبا

فعاد المنادي عنهم وهو مفحم

وأقبل جبريل يقول مفاخرا

لميكال من مثلي وقد صرت منهم

فمن مثلهم في العالمين وقد غدا

لهم سيّد الأملاك جبريل يخدم

* * *

وقال آخر :

ويوم العبا قد كان باهل أحمد

به وبسبطيه شبير وشبر

وفاطمة خير النساء وهذه

لمعجزة لو أنّهم يتفكّروا

وقال لهم جبريل هل أنا منكم

ومرّ على الأملاك إذ ذاك يفخر

يقول أنا من أهل بيت محمد

وما أحد غيري على ذاك يقدر

* * *

وقال ابن رزيك :

لا تعذلنّي إنّني لا أقتفي

سبل الضلال لقول كلّ عذول

عند التباهل ما علمنا سادسا

تحت الكساء منهم سوى جبريل

* * *

وله أيضا :

بهم باهل اللّه أعداءه

وكان الرسول بهم باهلا

وهذا الكتاب وإعجازه

على من وفي بيت من انزلا

* * *

ص: 24

سورة هل أتى

وروى أبو صالح ، ومجاهد ، والضحاك ، والحسن ، وعطاء ، وقتادة ، ومقاتل ، والليث ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وابن جبير ، وعمرو بن شعيب ، والحسن بن مهران ، والنقاش ، والقشيري ، والثعلبي ، والواحدي في تفاسيرهم .

وصاحب أسباب النزول ، والخطيب المكي في الأربعين ، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام ، والأشنهي في اعتقاد أهل السنّة ، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد(1) .

وروى أهل البيت عليهم السلام عن الأصبغ بن نباتة وغيره عن الباقر عليه السلام ، واللّفظ له :

في قوله تعالى : « هَلْ أَتى عَلَى الإِْنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ » أنّه مرض الحسن والحسين عليهماالسلام ، فعادهما رسول اللّه صلى الله عليه و آله في جميع أصحابه وقال لعلي عليه السلام : يا أبا الحسن ، لو نذرت في ابنيك نذرا عافاهما اللّه ، فقال : أصوم ثلاثة أيام ، وكذلك قالت فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجاريتهم فضّة ، فبرؤا .

فأصبحوا صياما ليس عندهم طعام ، فانطلق علي عليه السلام إلى يهودي يقال

له « فنحاص بن الحارا » - وفي رواية : شمعون بن حاريا - يستقرضه ،

ص: 25


1- تفسير القشيري : 8/7 ، تفسير القمّي : 2/398 ، تفسير فرات : 521 ، تفسير مجمع البيان : 10/209 ، تفسير مقاتل : 3/428 ، تفسير الثعلبي : 10/99 ، المناقب للخوارزمي : 267 ، أسباب النزول للواحدي : 133 .

وكان يعالج الصوف ، فأعطاه جزّة من صوف وثلاثة أصوع من الشعير ، وقال : تغزلها ابنة محمد صلى الله عليه و آله .

فجاء بذلك ، فغزلت فاطمة عليهاالسلام ثلث الصوف ، ثم طحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص .

فلمّا جلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين على الباب يقول : السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني ممّا تأكلون ، أطعمكم اللّه على موائد الجنّة ، فوضع اللّقمة من يده وقال :

فاطم ذات المجد واليقين

يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين

قد قام بالباب له حنين

يشكو الينا جائع حزين

كلّ امرئ بكسبه رهين

* * *

فقالت فاطمة عليهاالسلام :

أمرك سمعا يا بن عمّ طاعه

ما فيّ من لؤم ولا وضاعه

أطعمه ولا أبالي الساعه

أرجو إذا أشبعت ذا مجاعه

أن ألحق الأخيار والجماعه

وأدخل الخلد ولي شفاعه

* * *

ودفعت ما كان على الخوان إليه ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا صياما ، ولم يذوقوا إلاّ الماء القراح .

ص: 26

فلمّا أصبحوا غزلت الثلث الثاني ، وطحنت صاعا من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص .

فلمّا جلسوا خمستهم ، وكسر علي عليه السلام لقمة إذا يتيم على الباب يقول : السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله ، أنا يتيم من أيتام المسلمين ، أطعموني ممّا تأكلون ، أطعمكم اللّه من موائد الجنّة ، فوضع اللّقمة من يده ، وقال :

فاطم بنت السيّد الكريم

بنت نبي ليس بالذميم

قد جاءنا اللّه بذا اليتيم

من يرحم اليوم فهو رحيم

موعده في جنّة النعيم

حرّمها اللّه على اللئيم

* * *

وقالت فاطمة عليهاالسلام :

إنّي أعطيه ولا أبالي

وأوثر اللّه على عيالي

أمسوا جياعا وهم أشبالي

ثم دفعت ما كان على الخوان إليه ، وباتوا جياعا لا يذوقون إلاّ الماء القراح .

فلمّا أصبحوا غزلت الثلث الباقي ، وطحنت الصاع الباقي وعجنته ، وخبزت منه خمسة أقراص .

فلمّا جلسوا خمستهم ، فأوّل لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من أسراء المشركين على الباب يقول : السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آلهتأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا ، فوضع علي عليه السلام من يده اللّقمة ، وقال :

ص: 27

فاطم يا بنت النبي أحمد

بنت نبي سيّد مسوّد

هذا أسير للنبي المهتدي

مكبّل في غلّه مقيّد

يشكو الينا الجوع قد تقدد

من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الممجّد

* * *

فقالت فاطمة عليهاالسلام :

لم يبق ممّا كان غير صاع

قد دميت كفّي مع الذراع

وما على رأسي من قناع

إلاّ عباء نسجه يضاع

ابناي واللّه من الجياع

يا ربّ لا تتركهما ضياع

أبوهما للخير ذو اصطناع

عبل الذراعين شديد الباع

* * *

وأعطته ما كان على الخوان ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء .

فرآهم النبي صلى الله عليه و آله جياعا ، فنزل جبرئيل عليه السلام ومعه صحفة من الذهب مرصّعة بالدر والياقوت ، مملوءة من الثريد ، وعراقا يفوح منه رائحة المسك والكافور ، فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا ، ولم تنقص منها لقمة واحدة .

وخرج الحسين عليه السلام ومعه قطعة عراق ، فنادته امرأة يهودية : يا أهل بيت الجوع من أين لكم لكم هذا ؟! أطعمنيها ، فمدّ يده الحسين عليه السلام ليطعمها ، فهبط جبرئيل عليه السلام فأخذها من يده ، ورفع الصحفة إلى السماء .

ص: 28

فقال النبي صلى الله عليه و آله : لولا ما أراد الحسين عليه السلام من إطعام الجارية تلك القطعة لتركت تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة لا تنقص لقمة ، ونزلت : « يُوفُونَ بِالنَّذْرِ » .

وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة ، ونزلت « هَلْ أَتى » في يوم الخامس والعشرين منه(1) .

* * *

الخركوشي في شرف المصطفى صلى الله عليه و آله عن زينب بنت حصين في خبر : إنّ النبي صلى الله عليه و آله دخل على فاطمة عليهاالسلام غداة من الغدوات ، فقالت : يا أبتاه قد أصبحنا وليس عندنا شيء ، فقال : هاتي ذينك الطيرين .

فالتفتت فإذا طيران خلفها ، فوضعتهما عنده ، فقال لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام : كلوا بسم اللّه .

فبينما هم يأكلون إذ جاءهم سائل ، فقام على الباب فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ، أطعمونا ممّا رزقكم اللّه ، فردّ النبي صلى الله عليه و آله : يطعمك اللّه يا عبد اللّه .

فمكث غير بعيد ، ثم رجع ، فقال مثل ذلك ، ثم ذهب ثم رجع ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : يا أبتاه سائل ، فقال : يا بنتاه ، هذا هو الشيطان جاء ليأكل من هذا الطعام ، ولم يكن اللّه ليطعمه هذا من طعام الجنّة(2) .

ص: 29


1- أمالي الصدوق : 329 مج 43 ح 390 ، روضة الواعظين : 160 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 1/178 ح 103 .
2- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 271 .
في الحساب

وقال : وجاء سبب قوله « وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا » موافقا لقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهماالسلام سيّد الأولياء وأبى الأئمة النجباء الهادين بجدّ إلى الحقّ .

حساب كلّ منهما ألف وثلاثمائة وثلاث وتسعون .

قال ابن رزيك :

ولايتي لأمير المؤمنين علي

بها بلغت الذي أرجوه من أملي

إن كان قد أنكر الحسّاد رتبته

في جوده فتمسّك يا أخي بهل

* * *

وله أيضا :

آل رسول الإله قوم

مقدارهم في العلى خطير

إذ جاءهم سائل يتيم

وجاء من بعده أسير

أخافهم في المعاد يوم

معظم الهول قمطرير

فقد وقوا شرّ ما اتّقوه

وصار عقباهم السرور

في جنّة لا يرون فيها

شمسا ولا ثمّ زمهرير

يطوف ولدانهم عليهم

كأنّهم لؤلؤ نثير

لباسهم في جنان عدن

سندسها الأخضر الحرير

جازاهم ربّهم بهذا

وهو لما قد سعوا شكور

* * *

ص: 30

وله أيضا :

إنّ الأبرار يشربون بكأس

كان حقّا مزاجها كافورا

ولهم أنشأ المهيمن عينا

فجّروها عباده تفجيرا

وهداهم وقال يوفون بالنذر

فمن مثلهم يوفي النذورا

ويخافون بعد ذلك يوما

هائلاً كان شرّه مستطيرا

يطعمون الطعام ذا اليتيم والمس

كين في حبّ ربّهم والأسيرا

إنّما نطعم الطعام لوجه اللّه

لا نبتغي لديكم شكورا

غير أنّا نخاف من ربّنا يوما

عبوسا عصبصبا(1) قمطريرا(2)

فوقاهم إلههم ذلك اليوم

ويلقون نضرة وسرورا

وجزاهم بأنّهم صبروا في

السرّ والجهر جنّة وحريرا

متكئين لا يرون لدى الجنّة

شمسا كلاّ ولا زمهريرا

وعليهم ظلالها دانيات

ذلّلت في قطوفها تيسيرا

وبأكواب فضّة وقوارير

قوارير قدّرت تقديرا

ويطوف الولدان فيها عليهم

فيخالون لؤلؤا منثورا

بكؤوس قد مزجت زنجبيلاً

لذّة الشاربين تشفي الصدورا

ويحلّون بالأساور فيها

وسقاهم ربّي شرابا طهورا

وعليهم فيها ثياب من السندس

خضر في الخلد تلمع نورا

إنّ هذا لكم جزاء من اللّه

وقد كان سعيكم مشكورا

ص: 31


1- العصبصب : اليوم الشديد ، وقيل : الشديد الحرّ .
2- القمطرير : أشدّ ما يكون من الأيام وأطول في البلاء .

وله أيضا :

واللّه أثنى عليهم

لمّا وفوا بالنذور

وخصّهم وحباهم

بجنّة وحرير

لا يعرفون بشمس

فيها ولا زمهرير

يسقون فيها كأسا

رحيقا ممزوجا بكافور

* * *

وله أيضا :

في هل أتى حين على الانسان ما

يقنع من جادل فيه وشبا(1)

يوفون بالنذر وما أعطاهمربّهم من كلّ فضل وحبا

* * *

وله أيضا :

في هل أتى إن كنت تقرأ هل أتى

ستصيب سعيهم بها مشكورا

إذ أطعموا المسكين ثمّة أطعموا

الطفل اليتيم وأطعموا المأسورا

قالوا لوجه اللّه نطعمكم فلا

منكم جزاء نبتغي وشكورا

إنّا نخاف ونتقي من ربّنا

يوما عبوسا لم يزل محذورا

فوقوا بذلك شرّ يوم باسل(2)

ولقوا بذلك نضرة وسرورا

وجزاهم ربّ العباد بصبرهم

يوم القيامة جنّة وحريرا

وسقاهم من سلسبيل كأسها

بمزاجها قد فجّرت تفجيرا

ص: 32


1- الإشباء : الدفع . لسان العرب .
2- الباسل : الشديد الكريه .

يسقون فيها من رحيق تختم

بالمسك كان مزاجها كافورا

فيها قوارير لها من فضّة

وأكواب قد قدّرت تقديرا

يسعى بها ولدانهم فتخالهم

للحسن منهم لؤلؤا منثورا

* * *

وله أيضا :

هل أتى فيهم تنزل فيها

فضلهم محكما وفي السورات

يطعمون الطعام خوفا فقيرا

ويتيما وعانيا في العنات(1)

إنّما نطعم الطعام لوجه اللّه لا للجزاء في العاجلات

فجزاهم بصبرهم جنّة الخلدبها من كواعب خيرات

* * *

وقال الصاحب :

وإذا قرأنا هل أتى

قرأت وجوههم عبس

* * *

وله أيضا :

علي له في هل أتى ما تلوتم

على الرغم من آنافكم فتفرّدوا

* * *

وقال الناشي :

ولقد تبيّن فضلهم في هل أتى

فضل تذلّ به قلوب الحسّد

وجزاؤهم بالصبر ما هو جنّة

فيه الحرير لباسهم لم ينفد

ص: 33


1- العاني : الأسير . مجمع البحرين .

يسقون فيها سلسبيل يديرها

ولدان حور بين حور خرّد(1)

* * *

وله أيضا :

هل أتى على الإنسان حين من ال

دهر مع الخلق لم يكن مذكورا

وابتدا نطفة هنالك أمشاجا

غدا بعده سميعا بصيرا

وهدى نسله فأصبح إمّا

شاكرا مؤمنا وإمّا كفورا

إنّ الأبرار يشربون بكأس

كان مزاجها لهم كافورا

هي عين تجري بقدرة ربّي

فجّرتها عباده تفجيرا

إذ وفوا نذرهم يخافون يوما

في غد كان شرّه مستطيرا

يطعمون الطعام مسكينهم ثم

يتيما ويطعمون الأسيرا

أطعموهم للّه لا لجزاء

أطعموهم ولم يريدوا شكورا

ثم قالوا نخاف من ربّنا يوما

عبوسا لهوله قمطريرا

فيوقون شرّ ذلك اليوم

ويلقون نضرة وسرورا

وجزاهم بصبرهم في العظيمات

على الضيم جنّة وحريرا

واتكاهم على الأرائك لا يرون

فيها شمسا ولا زمهريرا

دانيات الظلال قدذلّل القطف(2)

وإن كان قد علا تسميرا(3)

ص: 34


1- خرد : الخَرِيدَة والخَرِيد والخَرُود من النساء : البكر التي لم تُمْسَسْ قطّ ، وقيل : هي الحييّة الطويلة السكوت الخافضة الصوت الخَفِرة المتسترة قد جاوزت الإِعْصار ولم تَعنَس .
2- القطف : اسم للثمار المقطوفة .
3- التسمير : بمعنى التشمير ، وهو الإرسال والتخلية ، وتقليص الشيء وإرساله .

وعليهم تدور آنية الفضّة

تحوي شرابها المذخورا

في قوارير فضّة قدروها

في ثنايا كمالها تقديرا

ويسقون زنجبيلاً لدى الكاس

مزاجا وسلسبيلاً عبيرا

ويطوف الولدان فيهم يخالون

من الحسن لؤلؤا منثورا

وإذا ما رأيت ثم تأملت

نعيما لهم وملكا كبيرا

وثياب عليهم سندس خضر

وحلّوا أساورا وشذورا

وسقاهم في القدس ربّهم اللّه

شرابا من الجنان طهورا

إنّ هذا هو الجزاء وما زال

بلا شكّ سعيهم مشكورا

* * *

وقال الرئيس العباس الضبي :

هل أتى أنزلت بفضل علي

فمعاديه هل أتى لرشيد

* * *

وقال آخر :

أحببت من لو سألت هل أتى

عنه لقالت فيه قد أنزلت

أمّي حكت أم زياد الدعي

إن كنت فيما قلته أبطلت

* * *

وقال آخر :

أوفوا لربّهم النذور

يخشون شرّا مستطيرا

إذ أطعموا مسكينهم

ويتيمهم ثم الأسيرا

من خوفهم من ربّهم

يوما عبوسا قمطريرا

فوقوا شرور جهنّم

ولقوا به خيرا كثيرا

ص: 35

هم عباده الذين اصطفى

أبو صالح عن ابن عباس في قوله : « الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى » ، قال : هم أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وأولادهم عليهم السلام إلى يوم القيامة ، هم صفوة اللّه وخيرته من خلقه .

هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

أبو نعيم الفضل بن دكين عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا » الآية ، قال : نزلت هذه الآية - واللّه - خاصّة في أمير المؤمنين(1) عليه السلام .

قال : كان أكثر دعائه يقول : « رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا » ، يعني فاطمة عليهاالسلام ، « وَذُرِّيّاتِنا » ، يعني الحسن والحسين عليهماالسلام ، « قُرَّةَ أَعْيُنٍ »(2) .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : واللّه ما سألت ربّي ولدا نضير الوجه ، ولا سألت ولدا حسن القامة ، ولكن سألت ربّي ولدا مطيعين للّه خائفين وجلين منه ، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع للّه قرّت به عيني .

قال : « وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماما » ، قال : نقتدي بمن قبلنا من المتّقين

ص: 36


1- الفضائل لابن عقدة : 200 .
2- انظر تفسير القمّي : 2/117 ، تفسير فرات : 295 .

فيقتدي المتّقون بنا من بعدنا(1) .

وقال اللّه : « أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا » يعني علي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام « وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاما خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاما » .

أنّهما التين والزيتون والرحمة والنور

وقد روي أنّ « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ »(2) نزلت فيهم(3) .

الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ » قال : الكفلين الحسن والحسين عليهماالسلام ، والنور علي(4) عليه السلام .

وفي رواية سماعة عنه عليه السلام : « نُورا تَمْشُونَ بِهِ » قال : إماما تأتّمون به(5) .

ص: 37


1- تفسير السمرقندي : 2/547 ، البخاري : 8/139 ، تفسير الطبري : 19/68 .
2- في تفسير فرات : عن محمد بن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللّه تعالى: « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » قال: « التِّينِ » الحسن عليه السلام و« الزَّيْتُونِ »الحسين عليه السلام . فقلت : قوله : « وَطُورِ سِينِينَ » فقال : ليس هو طور سينين ، إنّما هو طور سيناء ، وذلك أمير المؤمنين عليه السلام . وقوله : « وَهذَا الْبَلَدِ الأَْمِينِ » قال : ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ثم سكت ساعة ، ثم قال : لم لا تستوفي مسألتك إلى آخر السورة ؟ قلت : بأبي أنت وأمّي قوله : « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » قال : ذلك أمير المؤمنين وشيعته كلّهم « فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ » .
3- تفسير السمرقندي : 3/571 ، تفسير فرات : 578 ، شواهد التنزيل : 2/455، تفسير القمّي : 2/429 .
4- شواهد التنزيل : 2/308 ، تفسير القمّي : 2/352 .
5- تفسير فرات : 467 ، الكافي : 1/430 ح 86 .
نكت

ويقال في قوله تعالى : « وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ » أنّ اللّه - تعالى - بنى الدنيا والعقبى على ثلاثين زوجا ، عشرة للعالم الأصغر ، وهي :

العينان ، والأذنان ، والخدان ، والشفتان ، والمنكبان ، والساعدان ، واليدان ، والساقان ، والرجلان .

وعشرة للعالم الأكبر وهي :

الملوان(1) ، والعصران(2) ، والخافقان(3) ، والأزهران(4) ، والسعدان(5) ، والنحسان(6) ، والحجران(7) ، والأقطعان ، والأبهمان ، والأفجران .

وعشرة للدنيا والآخرة ، وهي :

الداران ، والغاران ، والأصغران ، والأكبران ، والأصمعان ، والزوجان، والحافظان ، والأمران ، والحرمان ، والحسنان .

واعلم أنّ الخطّ جزءان ، والمؤلف جوهران ، والموجبان إثنان عقلي وشرعي ، والكلام إثنان مهمل ومستعمل في كثير من ذلك ، ومنه الأبوان والجدّان والزوجان ، وذلك كثير .

ص: 38


1- الملوان : الليل والنهار .
2- العصران : الغداة والعشي .
3- الخافقان : المشرق والمغرب .
4- الأزهران : الشمس والقمر .
5- السعدان : قيل : المشتري والزهرة .
6- النحسان : قيل : المريخ وزحل .
7- الحجران : الفضّة والذهب .

قال المؤلف :

نفسي تفدى لسيدي الحسنين

من أحمد والوصيّ خير الثقلين

زوجان فذا مثل السمع وذا مثل العين

فاسلك فيها من كلّ زوجين إثنين

* * *

ص: 39

ص: 40

فصل 2 : في محبّة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام

اشارة

ص: 41

ص: 42

حبّهما عليهماالسلام

اشارة

أحمد بن حنبل وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما ، وابن ماجة في السنن ، وابن بطّة في الإبانة ، وأبو سعيد في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، بأسانيدهم عن أبي حازم عن أبي هريرة :

قال النبي صلى الله عليه و آله : من أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(1) .

جامع الترمذي بإسناده عن أنس بن مالك قال : سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أيّ أهل بيتك أحبّ إليك ؟ قال : الحسن والحسين(2) عليهماالسلام .

ص: 43


1- مسند أحمد : 2/288 ، شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 247 ، سنن ابن ماجة : 1/51 رقم 143 ، فضائل الصحابة للنسائي : 20 ، مسند ابن راهويه : 1/248 رقم 211 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/49 ، مسند أبي يعلى : 11/78 رقم 6215 ، المعجم الأوسط للطبراني : 5/102 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/47 ، تاريخ دمشق : 13/188 .. ، الكامل لابن عدي : 3/83 ، تاريخ بغداد : 1/151 ، تنبيه الغافلين : 42 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/76 رقم 1000 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/243 ، أمالي الطوسي : 251 ح 446 .
2- سنن الترمذي : 5/323 رقم 3861 ، مسند أبي يعلى : 7/274 رقم 4294 ، الكامل لابن عدي : 7/167 ، تاريخ دمشق : 14/153 .

وقال : من أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام أحببته ، ومن أحببته أحبّه اللّه ، ومن أحبّه اللّه أدخله الجنّة ، ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه اللّه ، ومن أبغضه اللّه خلده النار(1) .

جامع الترمذي ، وفضائل أحمد ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وفضائل السمعاني ، وأمالي ابن شريح ، وإبانة ابن بطّة :

إنّ النبي صلى الله عليه و آله أخذ بيد الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة(2) .

وقد نظمه أبو الحسين في نظم الأخبار فقال :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما فالخلد مسكنه معي

* * *

جامع الترمذي ، وإبانة العكبري ، وكتاب السمعاني ، بالإسناد عن أسامة بن زيد قال :

ص: 44


1- روضة الواعظين : 166 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/222 ح 686 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/101 ح 1032 ، الإرشاد للمفيد : 2/28 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/50 رقم 2655 ، تاريخ دمشق : 14/156 ، أخبار اصبهان : 1/56 .
2- سنن الترمذي : 5/305 رقم 3816 ، الذرية الطاهرة للدولابي : 167 رقم 225 ، تاريخ بغداد : 13/289 ، تاريخ دمشق : 13/196 ، الشفاء للقاضي عياض : 2/20 ، المناقب للخوارزمي : 138 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/98 ح 1026 ، مسند أحمد : 1/77 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/963 رقم 1185 ، شرف النبي صلى الله عليه و آلهللخركوشي : 274 .

طرقت على النبي صلى الله عليه و آله ذات ليلة في بعض الحاجة ، فخرج ، وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو .

فلمّا فرغت من حاجتي فقلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟ فكشفه ، فإذا هو الحسن والحسين عليهماالسلام على وركيه .

فقال : هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما(1) .

فضائل أحمد ، وتاريخ بغداد ، بالإسناد عن عمر بن عبد العزيز قال : زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم :

إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج وهو محتضن أحد ابني ابنته - حسنا أو حسينا عليهماالسلام - وهو يقول : إنّكم لتنجبون(2) وتجهّلون وتبخّلون ، وإنّكم لمن

ريحان اللّه (3) .

ص: 45


1- سنن الترمذي : 5/322 رقم 3858 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/106 ح 1042 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 رقم 8 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/149 رقم 8524 ، خصائص أمير المؤمنين عليه السلام للنسائي : 123 ، ابن حبان : 15/423 ، تاريخ دمشق : 14/159 .
2- كذا في النسخ وفي المصادر : « لتجبّنون » .
3- تاريخ بغداد : 2/395 ، سنن الترمذي : 3/212 رقم 1975 ، السنن الكبرى للبيهقي : 10/202 ، مسند ابن راهويه : 5/47 رقم 215 ، المعجم الكبير للطبراني : 24/240 ، الفائق للزمخشري : 1/161 ، غريب الحديث لابن قتيبة : 1/159 ، تفسير السمعاني : 2/259 ، مسند الحميدي : 1/160 ، مسند أحمد : 6/409 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/772 رقم 1363 .

علي بن صالح بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه و آله ، والحسن والحسين عليهماالسلام جالسان على فخذيه : من أحبّني فليحبّ هذين(1) .

أبو صالح وأبو حازم عن ابن مسعود وأبو هريرة قالا : خرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه الحسن والحسين عليهماالسلام ، هذا على عاتقه ، وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة ، حتى انتهى الينا ، فقال له رجل : يا رسول اللّه ، إنّك لتحبّهما !

فقال : من أحبّهما فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(2) .

الترمذي في الجامع ، والسمعاني في الفضائل ، عن يعلى بن مرّة الثقفي ، والبراء بن عازب ، وأسامة ابن زيد ، وأبي هريرة ، وأم سلمة ، في أحاديثهم :

إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال للحسن والحسين عليهماالسلام : اللّهم إنّي أحبّهما(3) .

ص: 46


1- الإرشاد للمفيد : 2/28 ، مسند أبي يعلى : 9/250 ، تاريخ دمشق : 13/201 .
2- مسند أحمد : 2/440 ، المستدرك للحاكم : 3/166 ، بشارة المصطفى : 264 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/771 .
3- سنن الترمذي : 5/327 رقم 3871 ، فضائل الصحابة للنسائي : 24 ، السنن الكبرى للبيهقي : 10/233 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/511 رقم 2 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 1/327 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/53 ، مسند أسامة بن زيد للبغوي : 56 ، المعجم الأوسط للطبراني : 5/243 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/47 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 4/62 ، ابن حبان : 3/68 ، الكامل لابن عدي : 3/188 ، تاريخ دمشق : 14/155 ، الشفاء للقاضي عياض : 2/26 ، مسند أحمد : 5/369 .

وفي رواية : وأحبّ من أحبّهما(1) .

أبو الحويرث : إنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : اللّهم أحبّ حسنا وحسينا ، وأحبّ من يحبّهما .

معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّ حبّ علي قذف في قلوب المؤمنين ، فلا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق ، وإنّ حبّ الحسن والحسين قذف في قلوب المؤمنين والمنافقين والكافرين ، فلا ترى لهم ذامّا .

ودعا النبي صلى الله عليه و آله الحسن والحسين عليهماالسلام قرب موته ، فقبّلهما وشمّهما ، وجعل يرشفهما وعيناه تهملان .

شرف النبي صلى الله عليه و آله عن الخركوشي ، والفردوس عن الديلمي عن ابن عمر ، والجامع عن الترمذي عن أبي هريرة ، والصحيح عن البخاري ، ومسند الرضا عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه و آله ، واللّفظ له قال :

الولد ريحانة ، والحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا(2) .

ص: 47


1- كامل الزيارات لابن قولويه : 112 باب 14 ح 116 ، روضة الواعظين للفتال : 166 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/107 ح 1042 ، الإرشاد للمفيد : 2/28 ، أمالي الطوسي : 368 ح 781 ، سنن الترمذي : 5/322 رقم 3858 ، مسند أبي داود : 332 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/49 ، الاستيعاب : 1/391 ، بشارة المصطفى : 93 .
2- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 265 ، الفردوس للديلمي : 5/145 رقم 7442 ، مسند زيد : 462، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/30 باب 31 ح 8 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/114 ح 1057 ، البخاري : 4/217 .

قال الترمذي : هذا حديث صحيح ، وقد رواه شعبة ومهدي بن ميمون عن محمد بن يعقوب(1) .

ويروى عنه عليه السلام أنّه قال : إنّكما من ريحان اللّه (2) .

وفي رواية عتبة بن غزوان : أنّه وضعهما في حجره ، وجعل يقبّل هذا مرّة وهذا مرّة ، فقال قوم : أتحبّهما يا رسول اللّه ؟

فقال صلى الله عليه و آله : ما لي لا أحبّ ريحانتي من الدنيا(3) .

وروى نحوا من ذلك راشد بن علي ، وأبو أيوب الأنصاري ، والأشعث بن قيس عن الحسين(4) عليه السلام .

وجه التشبيه بالريحان

قال الشريف الرضي رضى الله عنه : شبّه بالريحان ، لأنّ الولد يشمّ ويضمّ كما يشمّ الريحان ، وأصل الريحان مأخوذ من الشيء الذي يتروّح إليه ، ويتنفّس من الكرب به(5) .

ص: 48


1- سنن الترمذي : 5/322 رقم 3859 .
2- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : 199 ، الفائق للزمخشري : 1/162 .
3- اعلام الورى للطبرسي : 1/432 .
4- المعجم الكبير للطبراني : 4/156 ، تاريخ دمشق : 14/130 .
5- المجازات النبوية : 62 .

شفقته صلى الله عليه و آله عليهما

اشارة

ومن شفقته :

تعويذهما

ما رواه صاحب الحلية بالإسناد عن منصور بن المعتمر عن أبي إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه ، وعن ابن عمر قال كلّ واحد منّا ! :

كنّا جلوسا عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، إذ مرّ به الحسن والحسين عليهماالسلام ، وهما صبيّان ، قال : هات ابني أعوّذهما بما عوّذ به إبراهيم عليه السلام ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام .

فقال : « أعيذكما بكلمات اللّه التامّة من كلّ عين لامّة ومن كلّ شيطان وهامة »(1) .

ابن ماجة في السنن ، وأبو نعيم في الحلية ، والسمعاني في الفضائل بالإسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس :

إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يعوّذ حسنا وحسينا ، فيقول : « أعيذكما بكلمات اللّه التامّة من كلّ شيطان وهامة ومن كلّ عين لامّة » .

ص: 49


1- حلية الأولياء : 5/45 ، المهذب لابن براج : 2/451 ، المعجم الكبير للطبراني : 10/72 ، تاريخ دمشق : 13/224 .

وكان إبراهيم عليه السلام يعوّذ بها إسماعيل وإسحاق(1) عليهماالسلام .

وجاء في أكثر التفاسير : إنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يعوّذهما بالمعوّذتين ، ولهذا سمّيت المعوّذتين(2) .

وزاد أبو سعيد الخدري في الرواية ثم يقول : هكذا كان إبراهيم عليه السلاميعوّذ

ابنيه إسماعيل وإسحاق عليهماالسلام ، وكان يتفل عليهما .

ومن كثرة عوذ النبي صلى الله عليه و آله قال ابن مسعود وغيره : أنّهما عوذتان وليستا من القرآن الكريم(3) !

أذّن في أذنيهما وعقّ عنهما

ابن بطّة في الإبانة ، وأبو نعيم بن دكين ، بإسنادهما عن أبي رافع قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أذّن في أذن الحسن عليه السلام لمّا ولد ، وأذّن كذلك في أذن الحسين عليه السلام لمّا ولد(4) .

ص: 50


1- سنن ابن ماجة : 2/1165 رمق 3525 ، المستدرك للحاكم : 3/167 ، المصنف للصنعاني : 4/336 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 5/443 رقم 10 ، كتاب ابن حبان : 3/291 ، تاريخ دمشق : 6/452 ، مسند أحمد : 1/231 ، مسند ابن راهويه : 5/35 ، المعجم الكبير للطبراني : 11/354 ، خلق أفعال العباد للبخاري : 91 ، السنن الكبرى للنسائي : 6/250 ، التمهيد لابن عبد البر : 2/272 ، سنن أبي داود : 2/421 ، سنن الترمذي : 3/267 رقم 2138 .
2- تفسير التبيان للطوسي : 10/434 ، تفسير جوامع الجامع : 3/881 ، تفسير مجمع البيان : 10/494 .
3- مسند أحمد : 5/130 ، تأويل مختلف الحديث : 30 .
4- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/89 ح 1018 ، المعجم الكبير للطبراني : 1/313 ، مسند زيد : 466 .

ابن غسان باسناده : أنّ النبي صلى الله عليه و آله عقّ الحسن والحسين عليهماالسلام شاة شاة ، وقال : كلوا وأطعموا وابعثوا إلى القابلة برجل ، يعني الربع المؤخر من الشاة(1) .

رواه ابن بطّة في الإبانة .

تقبيلهما

أحمد بن حنبل في المسند عن أبي هريرة : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقبّل الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال عيينة - وفي رواية غيره : الأقرع بن حابس - : إنّ لي عشرة ما قبّلت واحدا منهم قطّ ! فقال

صلى الله عليه و آله : من لا يرحم لا يرحم(2) .

وفي رواية حفص الفراء : فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى التمع لونه ، وقال للرجل : إن كان قد نزع الرحمة من قبلك فما أصنع بك ، من لم يرحم صغيرنا ويعزّز كبيرنا فليس منّا(3) .

إجلاسهما في حجره

أبو يعلى الموصلي في المسند عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن ابن مسعود ، والسمعاني في فضائل الصحابة عن أبي صالح عن أبي هريرة :

ص: 51


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/90 ح 1020 ، الكافي : 6/33 ح 5.
2- مسند أحمد : 2/241 ، البخاري : 7/75 ، مسلم : 7/77 ، سنن أبي داود : 2/522 ، سنن الترمذي : 3/212 رقم 1976 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/100 ، المصنف للصنعاني : 11/98 ، الأدب المفرد للبخاري : 31 رقم 91 ، ابن حبان : 2/202 .
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/115 ح 1060 .

إنّه كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين عليهماالسلام على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما ، فلمّا قضى الصلاة وضعهما في حجره ، وقال : من أحبّني فليحبّ هذين(1) .

وفي رواية الحلية : ذروهما بأبى وأمّي ، من أحبّني فليحبّ هذين(2) .

تفسير الثعلبي : قال الربيع بن خيثم لبعض من شهد قتل الحسين عليه السلام : جئتم بها معلّقيها - يعني الرؤوس - ثم قال : واللّه لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله لقبّل أفواههم وأجلسهم في حجره ، ثم قرأ : « اللّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ »(3) .

ص: 52


1- مسند أبي يعلى : 8/434 ، فضائل الصحابة للنسائي : 20 ، كتاب ابن خزيمة : 2/48 ، تاريخ دمشق : 13/200 .
2- حلية الأولياء : 8/305 .
3- تفسير الثعلبي : 8/239 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/240 .

إيثارهما على نفسه صلى الله عليه و آله

ومن إيثارهما على نفسه صلى الله عليه و آله :

أنّه قال : عطش المسلمون عطشا شديدا ، فجاءت فاطمة بالحسن والحسين عليهم السلام إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فقالت :

يا رسول اللّه ، إنّهما صغيران لا يحتملان العطش ، فدعا الحسن عليه السلام فأعطاه لسانه ، فمصّه حتى ارتوى ، ثم دعا الحسين عليه السلام ، فأعطاه لسانه ، فمصّه حتى ارتوى(1) .

أبو صالح المؤذن في الأربعين ، وابن بطّة في الإبانة عن علي عليه السلام وعن الخدري ، وروى أحمد بن حنبل في مسند العشيرة ، وفضائل الصحابة عن عبد الرحمن بن الأزرق عن علي عليه السلام ، وقد روى جماعة عن أم سلمة ، وعن ميمونة ، واللفظ له عن علي عليه السلام قال :

رأينا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أدخل رجله في اللحاف - أو في الشعار - فاستسقى الحسن عليه السلام ، فوثب النبي صلى الله عليه و آله إلى منيحة لنا ، فمصّ من ضرعها ، فجعله في قدح ، ثم وضعه في يد الحسن عليه السلام ، فجعل الحسين عليه السلام يثب عليه ورسول اللّه صلى الله عليه و آله يمنعه ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : كأنّه أحبّهما إليك يا رسول اللّه !

ص: 53


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/85 ح 1010 .

قال : ما هو بأحبّهما إليّ ، ولكنّه استسقى أوّل مرّة ، وإنّي وإيّاك وهذين وهذا المنجدل يوم القيامة في مكان واحد(1) .

ابن حازم عن أبي هريرة قال : رأيت النبي صلى الله عليه و آله يمصّ لعاب الحسن والحسين عليهماالسلام كما يمصّ الرجل التمرة(2) .

ص: 54


1- مسند أحمد : 1/101 ، مسند أبي داود : 26 ، أمالي المحاملي : 206 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/41 ، تاريخ دمشق : 14/163 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/692 .
2- تاريخ دمشق : 13/223 .

فرط محبّته لهما

ومن فرط محبّته لهما :

ما روى يحيى بن أبي كثير وسفيان بن عيينة بإسنادهما : أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكاء الحسن والحسين عليهماالسلام ، وهو على المنبر ، فقام فزعا ، ثم قال :

أيّها الناس ، ما الولد إلاّ فتنة ، لقد قمت إليهما وما معي عقلي .

وفي رواية : وما أعقل(1) .

الخركوشي في اللوامع وفي شرف النبي صلى الله عليه و آله أيضا، والسمعاني في الفضائل، والترمذي في الجامع ، والثعلبي في الكشف ، والواحدي في الوسيط ، وأحمد بن حنبل في الفضائل ، وروى الخلف عن عبد اللّه بن بريدة قال :

سمعت أبي يقول : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يخطب على المنبر ، فجاء الحسن والحسين عليهماالسلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المنبر ، فحملهما ووضعهما بن يديه ، ثم قال : « إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ » إلى آخر كلامه(2) .

ص: 55


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/81 ح 1008 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/513 رقم 12 ، أنساب الأشراف : 3/19 .
2- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 265، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/106 ح 1014، مسند أحمد : 5/354 ، سنن ابن ماجة : 2/1190 رقم 3600 ، سنن أبي داود : 1/248 رقم 1109 ، سن-ن الترمذي : 5/324 رقم 3863 ، سن-ن النسائي : 3/108 ، المستدرك للحاكم : 1/287 ، السنن الكبرى للبيهقي : 3/218 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 1/535 رقم 1731 ، كتاب ابن خزيمة : 2/355 ، كتاب ابن حبان : 13/402 ، تفسير الكشاف للزمخشري : 4/116 ، تفسير مجمع البيان : 10/34 ، تفسير الثعلبي : 9/330 ، تفسير السمعاني : 5/454 ، المناقب لابن مردويه : 207 ، اعلام الورى : 1/432 .

وقد ذكره أبو طالب الحارثي في قوت القلوب إلاّ أنّه تفرّد بالحسن بن علي(1) عليهماالسلام .

وفي خبر : أولادنا أكبادنا يمشون على الأرض(2) .

قال الحميري :

سبطان أمّهما الزهراء منتجبه

سادت نساء جميع العالميّات

ابنا الرسول الذي جلّت فضائله

إن عدّد الفضل عن وصف المقالات

وابنا الوصي الذي كانت ولايته

حتما من اللّه في تنزيل آيات

لولاه من ولد في بيت معلوة

تواضعت عنده كلّ البيوتات(3)

* * *

ص: 56


1- قوت القلوب : 1/277 .
2- شرح السيرة الكبير للسرخسي : 1/328 ، شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 251 .
3- ديوان السيّد الحميري : 144 رقم 36 .

وقال الزاهي :

قوم لو أنّ بحار الأرض تنزف بالأقلام

مشقا وأقلام الدنا الشجر

والإنس والجنّ كتاب لفضلهم

والصحف ما احتوت الآصال والبكر(1)

لم يكتبوا العشر بل لم يعه(2) جهدهم

في ذلك الفضل إلاّ وهو محتقر

أهل الفخار وأقطار المدار ومن

أضحت لأمرهم الأيام تأتمر

هم آل أحمد والصيد الجحاجحة(3)

الزهر الغطارفة(4) العلويّة الغرر

والبيض من هاشم والأكرمون أولوا

الفضل الجزيل ومن سادت بهم مضر

فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم

قوم يكاد إليهم يرجع القدر

ص: 57


1- الآصال : جمع الأصيل : وهو الوقت حين تصفرّ الشمس لمغربها ، والبكر : جمع البكرة : أوّل النهار إلى طلوع الشمس .
2- يعه : من وعى يعي : جمع وحفظ .
3- الجحاجحة : جمع الجحجاح : السيّد السمح الكريم .
4- الغطارفة : جمع الغطريف : وهو السيّد الكريم .

أعطوا الصفا نهلاً أعطوا النبوة من

قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر

وتوّجوا شرفا ما مثله شرف

وقلّدوا خطرا ما مثله خطر

حسبي بهم حججا للّه واضحة

تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

هم دوحة المجد والأوراق شيعتهم

والمصطفى الأصل والذريّة الثمر

* * *

وقال ابن الحجاج :

وأنت ابن الذي حملته يوم

البساط بأمره الريح العقيم

ومن ردّت عليه الشمس فيهم

وقد أخذت مطالعها النجوم

بطاعتكم فروض اللّه تقضى

وحبّكم الصراط المستقيم

وقالوا شدت بنيانا عظيما

فقلت لأنّه ملك عظيم

منازل لو غدا فرعون فيها

لقبّل رجله موسى الكليم

* * *

وقال ابن حماد :

يا ابن يس وطاسين وحاميم ونونا

يا ابن من آثر مسكينا وباتوا طاويينا

* * *

ص: 58

فصل 3 : في المفردات من مناقبهما عليهماالسلام

اشارة

فصل(1) 3 : في المفردات من مناقبهما عليهماالسلام

ص: 59


1- في نسخة « دا » سقط هذا الفصل كاملاً في هذا الموضع ، وجاء بشيء منه في نهاية الجزء الثاني منه وسقط من موضعه في الجزء الثاني كلام لأميرالمؤمنين عليه السلام.

ص: 60

أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله

معجم الطبراني بإسناده عن ابن عباس ، وأربعين المؤذن ، وتاريخ الخطيب بأسانيدهم الى جابر :

قال النبي صلى الله عليه و آله : إنّ اللّه - عزّ وجلّ - جعل ذريّة كلّ نبي من صلبه خاصّة ، وجعل ذريّتي من صلبي ومن صلب علي بن أبي طالب ، إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلاّ أولاد فاطمة عليهاالسلام ، فإنّي أنا أبوهم(1) .

وقيل في قوله : « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ » : إنّما نزل في نفي التبنّي لزيد بن حارثة .

وأراد بقوله : « مِنْ رِجالِكُمْ » البالغين في وقتكم ، والإجماع على أنّهما لم يكونا بالغين فيه(2) .

الإحياء عن الغزالي ، والفردوس عن الديلمي ، قال المقداد بن معدي كرب :

ص: 61


1- تاريخ بغداد : 1/333 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/44 رقم 2630 ، أمالي الصدوق : 450 ح 609 ، روضة الواعظين : 95 ، الاحتجاج للطبرسي : 1/77 ، اختيار معرفة الرجال : 1/266 ، تاريخ دمشق : 42/259 ، المناقب للخوارزمي : 328 رقم 339 ، كنز الفوائد للكراجكي : 167 .
2- تفسير مجمع البيان : 8/165 .

قال النبي صلى الله عليه و آله : حسن منّي وحسين من علي(1)(2) عليه السلام !! .

وقال صلى الله عليه و آله : هما وديعتي في أمّتي(3) .

ملاعبته صلى الله عليه و آله معهما

ومن ملاعبته صلى الله عليه و آله معهما :

ما رواه ابن بطّة في الإبانة من أربعة طرق عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال :

دخلت على النبي صلى الله عليه و آله والحسن والحسين عليهماالسلام على ظهره ، وهو يجثو بهما ، ويقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما(4) .

ابن نجيح : كان الحسن والحسين عليهماالسلام يركبان ظهر النبي صلى الله عليه و آله ويقولان : « حل حل » ، ويقول : نعم الجمل جملكما .

السمعاني في الفضائل عن أسلم مولي عمر عن عمر بن الخطاب

ص: 62


1- إحياء العلوم للغزالي : 3/156 ، المعجم الكبير للطبراني : 20/269 ، مسند الشاميين للطبراني : 2/170 رقم 1126 ، تاريخ دمشق : 13/219 ، مسند أحمد : 4/132 ، سنن أبي داود : 2/275 ، التاريخ الصغير للبخاري : 1/137 .
2- الخبر عامّي ، فيه أنفاس بني أميّة ، وهو يعارض ما تظافر المسلمون على نقله « حسين منّي وأنا من حسين » ، والإمامان الشهيدان كلاهما من النبي صلى الله عليه و آله والنبي صلى الله عليه و آله منهما عليهماالسلام ، كما أنّهما كلاهما من أمير المؤمنين عليه السلام .
3- إحياء العلوم : 3/156 .
4- مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/247 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/52 رقم 2661 ، طبقات المحدّثين باصبهان لابن حبان : 3/374 ، تاريخ دمشق : 13/216.

قال : رأيت الحسن والحسين عليهماالسلام على عاتقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقلت : نعم الفرس لكما ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ونعم الفارسان هما(1) .

ابن حماد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و آله برك للحسن والحسين عليهماالسلام ، فحملهما وخالف بين أيديهما وأرجلهما ، وقال : نعم الجمل جملكما .

الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله عن عبد العزيز بإسناده عن النبي صلى الله عليه و آله : أنّه كان جالسا فأقبل الحسن والحسين عليهماالسلام ، فلمّا رآهما النبي صلى الله عليه و آله قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه ، فاستقبلهما وحملهما على كتفيه ، وقال : نعم المطيّ مطيّكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما(2) .

تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفين عن عبد اللّه بن موسى عن سفين عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال :

حمل رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحسن والحسين عليهماالسلام على ظهره ، الحسن عليه السلامعلى أضلاعه اليمنى ، والحسين عليه السلام على أضلاعه اليسرى ، ثم مشى وقال : نعم المطيّ مطيّكما ، ونعم الراكبان أنتما ، وأبوكما خير منكما(3) .

قال الحميري :

من ذا الذي حمل النبي برأفة

ابنيه حتى جاوز الغمضاء(4)

ص: 63


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/107 ح 1043 ، الكامل لابن عدي : 2/362 ، تاريخ دمشق : 14/162 .
2- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 250 .
3- شواهد التنزيل : 1/455 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 2/374 « في حديث » .
4- في الديوان : « الغمصاء » .

من قال نعم الراكبان هما ولميكن الذي قد كان منه خفاء(1)

* * *

وله أيضا :

أتى حسنا والحسين الرسول

وقد خرجا ضحوة يلعبان

فضمّهما ثم فدّاهما

وكانا لديه بذاك المكان

ومرّر تحتهما منكباه

فنعم المطيّة والراكبان

وليدان أمّهما برّة

حصان مطهّرة للحصان

وشيخهما ابن أبي طالب

فنعم الوليدان والولدان

وكلّهم طيب طاهر

كريم الشمائل طلق البيان

* * *

وقال المفجع :

أفهل تعرفون غير علي

وابنه استرحل النبي المطيّا

* * *

ترقّ عين بقّة

وروي أنّ النبي صلى الله عليه و آله ترك لهما ذؤابتين في وسط الرأس(2) .

مزرد ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمع أذناي هاتان ، وبصر عيناي هاتان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو آخذ بيده جميعا بكتفي الحسن والحسين عليهماالسلام

ص: 64


1- ديوان الحميري : 59 رقم 5 .
2- الكافي : 6/34 ح 6 .

وقدماهما على قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويقول : ترقّ عين بقّة .

قال : فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثم قال له : افتح فاك ، ثم قبّله ، ثم قال : اللّهم أحبّه فإنّي أحبّه(1) .

كتاب ابن البيع ، وابن مهدي ، والزمخشري ، قال : « حزقه حزقه ترقّ عين بقّه ، اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه » .

الحزقة(2) : القصير الصغير الخطا ، وعين بقّة : أصغر عين .

وقال : أراد بالبقّة فاطمة عليهاالسلام ، فقال للحسين عليه السلام : يا قرّة عين بقّة ترق(3) .

وكانت فاطمة عليهاالسلام ترقّص ! ابنها حسنا عليه السلام وتقول :

أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحقّ الرسن

واعبد إلها ذا منن

ولا توال ذا الإحن

* * *

وقالت للحسين عليه السلام :

أنت شبيه بأبي

لست شبيها بعلي

* * *

ص: 65


1- الأدب المفرد للبخاري : 62 باب 124 رقم 250 ، الاستيعاب : 1/397 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/514 رقم 19 ، تاريخ دمشق : 13/194 .
2- في نسخة « النجف » : « خرقة » في المواضع كلّها .
3- معرفة علوم الحديث للحاكم : 89 ، الفائق للزمخشري : 1/243 ، شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 102 .

قول أبي بكر للحسن عليه السلام

وفي مسند الموصلي أنّه كان يقول أبو بكر للحسن عليه السلام :

أنت شبيه بالنبي

لست شبيها بعلي

* * *

وعلي عليه السلام يتبسّم(1) .

قول أمّ سلمة للحسن عليه السلام

وكانت أم سلمة تربّي الحسن عليه السلام وتقول :

بأبي يا بن علي

أنت بالخير ملي

كن كأسنان خلي

كن ككبش الخولي

* * *

قول أمّ الفضل للحسين عليه السلام

وكانت أم فضل امرأة العباس تربّي الحسين عليه السلام وتقول :

يا ابن رسول اللّه

يا ابن كثير الجاه

فرد بلا أشباه

أعاذه إلهي

من أمم الدواهي

ص: 66


1- تاريخ بغداد : 1/149 ، تاريخ دمشق : 13/174 ، مسند أحمد : 1/8 ، الشفاء للقاضي عياض : 2/49 .

نقش خاتم الباقر عليه السلام

الصادق

عليه السلام كان نقش خاتم أبي عليه السلام :

ظنّي باللّه حسن

وبالنبي المؤتمن

وبالوصيّ ذي المنن

وبالحسين والحسن(1)

* * *

وقال شاعر :

أربعة مذهبة

لكلّ همّ وحزن

حبّ النبي والوصيّ

والحسين والحسن

* * *

وقال السيّد الحميري :

وليّنا بعد نبيّ الهدى

علي القائم وابناه(2)

* * *

ص: 67


1- مسند زيد : 465 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/31 باب 31 ح 15 ، مكارم الأخلاق : 92 ، تفسير الثعلبي : 8/311 .
2- ديوان الحميري : 454 رقم 195 .

ص: 68

فصل 4 : في معجزاتهما عليهماالسلام

اشارة

ص: 69

ص: 70

برقت لهما برقة أضاءت لهما

أحمد بن حنبل في المسند ، وابن بطّة في الإبانة ، والنطنزي في الخصائص ، والخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله واللّفظ له .

وروى جماعة عن أبي صالح عن أبي هريرة ، وعن صفوان بن يحيى ، وعن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، وعن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام :

إنّ الحسن والحسين عليهماالسلام كانا يلعبان عند النبي صلى الله عليه و آله حتى مضى عامّة الليل ، ثم قال لهما : انصرفا إلى أمّكما ، فبرقت برقة فما زالت تضيء لهما حتى دخلا على فاطمة عليهاالسلام ، والنبي صلى الله عليه و آله ينظر إلى البرقة ، وقال : الحمد اللّه

الذي أكرمنا أهل البيت(1) .

وقد رواه السمعاني ، وأبو السعادات في قضاياهما عن أبي جحيفة ، إلاّ أنّهما تفردّا في حقّ الحسين عليه السلام .

ص: 71


1- مسند زيد : 462 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/43 باب 31 ح121 ، روضة الواعظين : 166 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/277 ح 745 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 1/381 ، الثاقب في المناقب : 99 فصل 13 ح 91 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6/76 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/75 ح 996 ، مسند أحمد : 2/513 ، المستدرك للحاكم : 3/167 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/52 ، الكامل لابن عدي : 6/81 ، تاريخ دمشق : 14/159 ، طبقات المحدّثين باصبهان لابن حبان : 3/71 .

قال الحميري :

من ذا مشى مع لمع برق ساطع

إذ راح من عند النبي عشاء(1)

* * *

نوح الجنّ على الحسين عليه السلام

وسمع أبو حباب الكلبي من نوح الجنّ على الحسين عليه السلام :

مسح النبيّ جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش

جدّه خير الجدود(2)

* * *

فارس يبشّر بهما

وفي حديث عفيف الكندي أنّه قال الفارس له : إذا رأيت في داره حمامة يطير معها فرخاها ، فاعلم أنّه ولد له ، يعني عليا عليه السلام .

ثم قال بعد كلام : بلغني بعد برهة ظهور النبي صلى الله عليه و آله ، فأسلمت فكنت أرى الحمامة في دار علي عليه السلام تفرّخ من غير وكر ، وإذا رأيت الحسن والحسين عليهماالسلام عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذكرت قول الفارس .

ص: 72


1- ديوان الحميري : 60 رقم 5 .
2- كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا : 86 رقم 115 ، كامل الزيارات لابن قولويه : 192 باب 29 ، ح70 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/229 ح 693 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/121 ، تاريخ دمشق : 14/241 .

وفي رواية بسطام عنه في حديث طويل : فلمّا قتل علي عليه السلام ذهبت فما رأيت .

وفي رواية أبي عقيل : رأيت في منزل علي عليه السلام بعد موته طيران يطيران .

فلمّا مات الحسن عليه السلام غاب أحدهما ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام غاب الآخر .

تسبيح الرمان والعنب

الكشف والبيان عن الثعلبي بالإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام

قال : مرض النبي صلى الله عليه و آله فأتاه جبرئيل عليه السلام بطبق فيه رمان وعنب ، فأكل النبي صلى الله عليه و آله منه فسبّح .

ثم دخل عليه الحسن والحسين عليهماالسلام فتناولا منه فسبّح الرمان والعنب .

ثم دخل علي عليه السلام فتناول منه فسبّح أيضا .

ثم دخل رجل من أصحابه فأكل فلم يسبّح ، فقال جبرئيل عليه السلام : إنّما يأكل هذا نبيّ أو وصيّ أو ولد نبيّ(1) .

زينة العيد من الجنّة

أبو عبد اللّه المفيد النيسابوري في أماليه : قال الرضا عليه السلام : عري الحسن والحسين عليهماالسلام وأدركهما العيد ، فقالا لأمّهما عليهاالسلام : قد زيّنوا صبيان المدينة إلاّ

نحن ، فما لك لا تزيّنينا ؟ فقالت : ثيابكما عند الخيّاط ، فإذا أتاني زيّنتكما .

ص: 73


1- تفسير الثعلبي : 6/103 ، الخرائج : 1/48 ح 65 .

فلمّا كانت ليلة العيد أعادا القول على أمّهما ، فبكت ورحمتهما ، فقالت لهما : ما قالت في الأولى فردّا عليها .

فلمّا أخذ الظلام قرع الباب قارع ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : من هذا ؟ قال : يا بنت رسول اللّه ، أنا الخيّاط جئت بالثياب .

ففتحت الباب ، فإذا رجل ومعه من لباس العيد ، قالت فاطمة عليهاالسلام : واللّه لم أر رجلاً أهيب شيمة منه ، فناولها منديلاً مشدودا ، ثم انصرف .

فدخلت فاطمة عليهاالسلام ففتحت المنديل ، فإذا فيه قميصان ودراعتان وسروالان ورداءان وعمامتان وخفان أسودان معقبان بحمرة ، فأيقظتهما وألبستهما .

ودخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهما مزيّنان ، فحملهما وقبّلهما ، ثم قال : رأيت الخيّاط ؟ قالت : نعم يا رسول اللّه ، والذي أنفذته من الثياب ، قال : يا بنيّة ، ما هو خيّاط ، إنّما هو رضوان خازن الجنّة ، قالت فاطمة عليهاالسلام : فمن أخبرك يا رسول اللّه ؟ قال : ما عرج حتى جاءني وأخبرني بذلك .

رائحة التفّاح عند قبر الحسين عليه السلام

الحسن البصري وأمّ سلمة : أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام دخلا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين يديه جبرئيل عليه السلام ، فجعلا يدوران حوله يشبّهانه بدحية

الكلبي ، فجعل جبرئيل عليه السلام يوميء بيده كالمتناول شيئا ، فإذا في يده تفاحة وسفرجلة ورمانة ، فناولهما وتهلل وجهاهما ، وسعيا إلى جدّهما ، فأخذ منهما فشمّهما ، ثم قال : صيرا إلى أمّكما بما معكما ، وابدءا بأبيكما .

ص: 74

فصارا كما أمرهما ، فلم يأكلوا حتى صار النبي صلى الله عليه و آله إليهم ، فأكلوا جميعا ، فلم يزل كلّما أكل منه عاد إلى ما كان حتى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

قال الحسين عليه السلام : فلم يلحقه التغيير والنقصان أيام فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى توفيت .

فلمّا توفيت عليهاالسلام فقدنا الرمان ، وبقى التفاح والسفرجل أيام أبي .

فلمّا استشهد أمير المؤمنين عليه السلام فقد السفرجل ، وبقي التفّاح على هيئته عند الحسن عليه السلام حتى مات في سمّه .

وبقيت التفّاحة إلى الوقت الذي حوصرت عن الماء ، فكنت أشمّها إذا عطشت ، فيسكن لهب عطشي ، فلمّا اشتدّ عليّ العطش عضضتها وأيقنت بالفناء .

قال علي بن الحسين عليه السلام : سمعته يقول ذلك قبل مقتله بساعة .

فلمّا قضى نحبه وجد ريحها في مصرعه ، فالتمست ولم ير لها أثر ، فبقي ريحها بعد الحسين عليه السلام ، ولقد زرت قبره فوجدت ريحها تفوح من قبره ، فمن أراد ذلك من شيعتنا الزائرين للقبر ، فليلتمس ذلك في أوقات السحر ، فإنّه يجده إذا كان مخلصا(1) .

جام البلور الأحمر

أمالي أبى الفتح الحفار ، وابن عباس ، وأبو رافع : كنّا جلوسا مع النبي صلى الله عليه و آله إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام ، ومعه جام من البلور الأحمر مملوءا

ص: 75


1- روضة الواعظين : 160 .

مسكا وعنبرا ، فقال له : السلام عليك ، اللّه يقرأ عليك السلام ، ويحييك بهذه التحيّة ، ويأمرك أن تحيي بها عليا وولديه عليهم السلام .

فلمّا صارت في كفّ النبي صلى الله عليه و آله هلّلت وكبّرت ثلاثا ، ثم قالت بلسان ذرب : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى »

فاشتمّها النبي صلى الله عليه و آله ، ثم حيّى بها عليا عليه السلام .

فلمّا صارت في كفّ علي عليه السلام قالت : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ » الآية ، فاشتمّها علي عليه السلام وحيّى بها الحسن عليه السلام .

فلمّا صارت في كفّ الحسن عليه السلام قالت « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » الآية ، فاشتمّها الحسن عليه السلام وحيّى بها الحسين عليه السلام .

فلمّا صارت في كفّ الحسين عليه السلام قالت : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ »

« قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » .

ثم ردّت إلى النبي صلى الله عليه و آله فقالت : « بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » « اللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ » فلم أدر على السماء صعدت أم في الأرض نزلت بقدرة اللّه تعالى(1) .

قال الوراق القمّي :

علي به كابت قريش وإنّما

بكفّ علي سبّح الجام فاعلم

* * *

ص: 76


1- أمالي الطوسي : 356 ح 738 .

نزول ملك على صفة الطير على يديهما عليهماالسلام

كتاب المعالم : أنّ ملكا نزل من السماء على صفة الطير ، فقعد على يد النبي صلى الله عليه و آله فسلّم عليه بالنبوّة ، وعلى يد علي عليه السلام فسلّم عليه بالوصيّة ، وعلى يد الحسن والحسين عليهماالسلام فسلّم عليهما بالخلافة .

فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لم لم تقعد على يد فلان ؟!

فقال : أنا لا أقعد في أرض عصي عليها اللّه ، فكيف أقعد على يد عصت اللّه .

تعويذهما زغب جناح جبرئيل

أربعين المؤذن، وإبانة العكبري، وخصائص النطنزي، قال ابن عمر: كان للحسن والحسين عليهماالسلام تعويذان حشوهما من زغب جناح جبرئيل(1) عليه السلام .

وفي رواية : فيهما من جناح جبرئيل عليه السلام .

وعن أم عثمان - أم ولد لعلي عليه السلام - قالت : كان لآل محمد صلى الله عليه و آله وسادة لا يجلس عليها إلاّ جبرئيل عليه السلام ، فإذا قام عنها طويت ، فكان إذا قام انتفض من زغبه ، فتلقطه فاطمة عليهاالسلام فتجعله في تمائم الحسن والحسين(2) عليهماالسلام .

قال الحماني :

يا ابن من بيته من الدين والإ

سلام بين المقام والمنبرين

لك خير البيتين من مسجدي

جدّك والمنشأين والمسكنين

ص: 77


1- الخصال : 67 ح 99 ، تاريخ دمشق : 13/225 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/99 ح 1028 .

والمساعي من لدن جدّك إسما

عيل حتى أدرجت في الريطتين(1)

حين نيطت بك التمائم ذاتالريش من جبرئيل في المنكبين

* * *

النبي وجبرئيل عليهماالسلام يستنهضانهما

أبو هريرة ، وابن عباس ، والحارث الهمداني ، وأبو ذر ، والصادق عليه السلام : أنّه اصطرع الحسن والحسين عليهماالسلام بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : إيه حسن خذ حسينا. فقالت فاطمة عليهاالسلام: يا رسول اللّه، أتستنهض الكبير على الصغير!

فقال : هذا جبرئيل عليه السلام يقول للحسين عليه السلام : إيها حسين خذ حسنا(2) .

أورده السمعاني في فضائله .

قال الحميري :

قال بينا النبي وابناه والبرّة

والروح ثالث في قرار

إذ دعا شبر شبيرا فقام

الطهر للطاهرات والأطهار

لصراع فقال أحمد إيه

حسن شدّ شدّة المغوار

قالت البرّة البتولة لمّا

سمعت قوله بإنكار

أتجري الكبير والناس طرّا

يقصدون الصغار دون الكبار

قال إن كنت فاعلاً إنّ من

يكنف هذا عن الورى متوار

إنّ جبريل قائل مثل قولي

لفتى المجد والندى والوقار

ص: 78


1- الريطة : الملاءة كلّها نسج واحد وقطعة واحدة .
2- الإرشاد للمفيد : 2/128 ، تاريخ دمشق : 14/165 ، اعلام الورى : 1/425 ، ألقاب الرسول وعترته : 48 .

فصل 5 : في معالي أمورهما عليهماالسلام

اشارة

ص: 79

ص: 80

الآيات

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ

مقاتل بن مقاتل عن مرازم عن موسى بن جعفر عليه السلام في قوله تعالى : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » قال : الحسن والحسين عليهماالسلام ، « وَطُورِ سِينِينَ » قال : علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، « وَهذَا الْبَلَدِ الأَْمِينِ » قال : محمد صلى الله عليه و آله ، « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » قال : الأوّل « ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ »

ببغضه أمير المؤمنين عليه السلام ، « إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » علي بن أبي طالب عليهماالسلام « فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ » يا محمد[ يعني ب-]-ولاية علي بن أبي طالب(1) عليهماالسلام .

أنّهما إمامان قاما أو قعدا بالإجماع

واجتمع أهل القبلة على أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا(2) .

ص: 81


1- تفسير فرات : 578 ح 744 .
2- علل الشرائع : 1/211 باب 159 ح 2، روضة الواعظين : 156، ألقاب الرسول وعترته: 49، الإرشاد للمفيد : 2/30، الفصول المختارة : 303، المسائل الجارودية : 35، التعجب للكراجكي : 129 ، تفسير مجمع البيان : 2/311 ، اعلام الورى : 1/407 ، دعائم الإسلام للقاضي النعمان : 1/37 ، كفاية الأثر : 38 .
أنّهما سيدا شباب أهل الجنّة

واجتمعوا أيضا أنّه صلى الله عليه و آله قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة .

حدّثني بذلك ابن كادش العكبري عن أبي طالب الحربي العشاري عن ابن شاهين المروزي فيما قرب سنده قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن حميد ، قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد العامري قال : حدّثنا نعيم بن سالم بن قنبر قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول . . الخبر .

ورواه أحمد بن حنبل في الفضائل والمسند .

والترمذي في الجامع .

وابن ماجة في السنن .

وابن بطّة في الإبانة .

والخطيب في التاريخ .

والموصلي في المسند .

والواعظ في شرف المصطفى صلى الله عليه و آله .

والسمعاني في الفضائل .

وأبو نعيم في الحلية من ثلاثة طرق .

وابن حبيش التميمي عن الأعمش(1) .

ص: 82


1- مسند زيد : 461 ، المبسوط للسرخسي : 16/122، أمالي الصدوق : 11 مج 12، مسند أحمد : 3/3 و3/62 و64 و82 و5/391 و392 . . ، سنن ابن ماجة : 1/44 ، سنن الترمذي : 5/321 رقم 3856 ، فضائل الصحابة للنسائي : 20 ، المستدرك للحاكم : 3/167 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 رقم 2 ، مسند أبي يعلى : 2/395 ، كتاب ابن حبان : 5/412 ، المعجم الأوسط للطبراني : 1/117 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/35 وما بعدها ، سؤالات حمزة للدارقطني : 216 ، الاستيعاب : 1/391 ، تفسير السمعاني : 4/302 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/773 ، الكامل لابن عدي : 2/220 ، تاريخ بغداد : 2/181 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/76 . وهذا الحديث من المتواترات ولا يكاد يخلو مصدر من مصادر الدرجة الأولى أو الثانية عند طوائف المسلمين من هذا الحديث الشريف بألفاظ وأسانيد شتى ، ولا يسعنا اتباع المصادر التي خرجت الحديث جميعا في هذا الهامش ، فإنّها تحتاج الى كتاب مسقتل .

وروى الدارقطني بالإسناد عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه و آله : ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما(1) .

ورواه الخدري .

وابن مسعود .

وجابر الأنصاري .

وأبو جحيفة .

وأبو هريرة .

وعمر بن الخطاب .

وحذيفة .

و عبد اللّه بن عمر .

ص: 83


1- سنن ابن ماجة : 1/44 رقم 118 ، المستدرك للحاكم : 3/167 ، المعجم الكبير للطبراني : 19/292 ، تاريخ بغداد : 1/150 .

وأمّ سلمة .

ومسلم بن يسار .

والزبرقان بن أظلم الحميري .

ورواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن عبد اللّه .

وفي حلية الأولياء ، واعتقاد أهل السنّة ، ومسند الأنصاري عن أحمد بالإسناد عن حذيفة قال النبي صلى الله عليه و آله في خبر :

أما رأيت العارض الذي عرض لي ؟ قلت : بلى .

قال : ذاك ملك لم يهبط إلى الأرض قبل الساعة ، فاستأذن اللّه - تعالى - أن يسلّم عليّ ، ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة(1) .

سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قوله صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل

الجنّة ، فقال : هما - واللّه - سيدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين(2) .

والمشهور عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : أهل الجنّة شباب كلّهم(3) .

في الحساب

قوله صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة وأبوهما خير منهما ،

ص: 84


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 رقم 3 ، المستدرك للحاكم : 3/381 ، كتاب ابن حبان : 15/413 .
2- أمالي الصدوق : 187 مج 26 ح 196 ، روضة الواعظين : 157 ، ألقاب الرسول وعترته : 45 .
3- التعجب للكراجكي : 138 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 2/248 .

يوافق قولنا « موجب الإمامة لهما في الدنيا والسيادة في العقبى » ، لاجتماعهما في ألف وثمانمائة وإحدى وعشرين .

قال الحماني الكوفي :

أنتما سيدا شباب جنان ال-

-خلد يوم الفوزين والروعتين

يا عديل القرآن من بين ذي الخل-

-ق ويا واحدا من الثقلين

أنتما والقرآن في الأرض مذ

أنزل مثل السماء والفرقدين

قمتما من خلافة اللّه في الأرض

بحقّ مقام مستخلفين

قاله الصادق الحديث ولن

يفترقا دون حوضه واردين

* * *

وقال العوني :

وقد شهدتم له بالسيّدين لمن

في جنّة الخلد أحظى الخلق أزلفه

وأنّه منهما خير وليس على

هذا مزيد فنلقيه ونحرفه

لأنّ سكان دار الخلد سادة من

فوق التراب وأزكى الخلق أشرفه

والسيّدان لسادات الخلائق

كالعيّوق في قبّة الخضراء مرجفه

ومن علا سيّدي ساداتنا شرفا

فهل يكنفه فضلاً يكنفه

* * *

وله أيضا :

ومن له سبطان سيّدان

شهمان قرمان مهذّبان

بحراهما بحران زاخران

وما هما بحران يبغيان

بل منهما معرفة الديّان

أمّهما سيّدة النسوان

ص: 85

إضافة ركعتين على نوافل المغرب حبّا لهما

ومن كثرة فضلهما ومحبّة النبي صلى الله عليه و آله إيّاهما : أنّه جعل نوافل المغرب - وهي أربع ركعات - كلّ ركعتين منهما عند ولادة كلّ واحد منهما(1) .

أنّهما زينت العرش والجنّة

سليمان بن أحمد الطبراني ، والقاضي أبو الحسن الجراحي ، وأبو الفتح الحفار ، والكياشيرويه ، والقاضي النطنزي بأسانيدهم عن عقبة عن عامر الجهني ، وأبي دجانة ، وزيد بن علي عن النبي صلى الله عليه و آله قال :

الحسن والحسين شنفا العرش(2) - وفي رواية : وليسا بمعلّقين - وأنّ الجنّة قالت : يا ربّ أسكنتني الضعفاء والمساكين ، فقال اللّه تعالى : ألا ترضين أنّي زيّنت أركانك بالحسن والحسين ، فماست كما تميس العروس فرحا(3) .

وفي خبر عنه صلى الله عليه و آله : إذا كان يوم القيامة زيّن عرش الرحمن بكلّ زينة ، ثم يؤتى بمنبرين من نور - طولهما مائة ميل - فيوضع أحدهما عن يمين العرش ، والآخر عن يسار العرش ، ثم يأتي الحسن والحسين عليهماالسلام يزيّن

ص: 86


1- انظر الكافي : 3/487 ح 2 ، علل الشرائع : 2/324 باب 15 ح 1 ، الفقيه للصدوق : 1/454 ح 1317 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 2/113 ح 424 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/127 ، اعلام الورى للطبرسي : 1/432 ، المعجم الأوسط للطبراني : 1/108 ، الفردوس للديلمي : 2/256 رقم 262 .
3- روضة الواعظين : 166 ، ألقاب الرسول وعترته : 47 ، الإرشاد للمفيد : 2/127 ، اعلام الورى : 1/432 .

الربّ - تبارك وتعالى - بهما عرشه ، كما تزيّن المرأة قرطاها(1) .

وفي رواية أبي لهيعة المصري قال : سألت الجنّة ربّها أن يزيّن ركنا من أركانها ، فأوحى اللّه - تعالى - إليها : إنّي قد زيّنتك بالحسن والحسين عليهماالسلام ، فزادت الجنّة سرورا بذلك(2) .

قال الصاحب :

ولداه شنفا العرش فقل

حبّذا العرش وحبّذا(3) شنفاه

* * *

وقال ابن حماد :

تفاحتا الهادي وقرطا

العرش عرش الواحد المتمجّد

* * *

وقال أبو العلاء :

جاز النبي وسبطاه وزوجته

مكان ما أفنت الأقلام والصحفا

والفخر لو كان فيهم صورة جسدا

عادت فضائلهم في أذنه شنفا

* * *

وقال ابن علوية :

وابناه عقد قوي الجنان عليهما

فهما لدار مقامه ركنان

ص: 87


1- أمالي الصدوق : 174 مج 24 ح 177 ، روضة الواعظين : 157 ، معاني الأخبار للصدوق : 206 .
2- أمالي الطوسي : 406 ح 910 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/113 ح 1052 ، المجروحين لابن حبان : 1/239 .
3- في النسخ : « حبا » .

وهما معا لو يعلمون لعرشه

دون الملائك كلّهم شنفان

والدرّ والمرجان قد نحلاهما

مثلاً من البحرين يلتقيان

* * *

شبههما بالنبي صلى الله عليه و آله

كتاب السؤود بالإسناد عن سفيان بن سليم ، والإبانة عن العكبري بالإسناد عن زينب بنت أبي رافع : إنّ فاطمة عليهاالسلام أتت بابنيها الحسن والحسين عليهماالسلام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقالت : انحل ابنيّ هذين يا رسول اللّه - وفي رواية : هذان ابناك فورثهما شيئا - فقال : أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي(1) .

وفي كتاب آخر : أنّ فاطمة عليهاالسلام قالت : رضيت يا رسول اللّه .

فلذلك كان الحسن عليه السلام حليما مهيبا ، والحسين عليه السلام نجدا جوادا(2)(3) .

ص: 88


1- دلائل الإمامة : 69 ح 6 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 1/299 و5/370 ، المعجم الكبير للطبراني : 22/432 ، الخصال : 775 ح 122 ، روضة الواعظين : 156 ، الإرشاد للمفيد : 2/7 ، تاريخ دمشق : 13/230 ، اعلام الورى : 1/412 .
2- الرواية عامّية ، ولم نجد هذا التفصيل والتوريث بهذه الطريقة في طرق أتباع أهل البيت عليهم السلام ، والذي نعتقده أنّهما ورثا من جدّهما كلّ صفاته وخصاله وعلمه ولا يختلفان عنه إلاّ فيما اختص اللّه به نبيه صلى الله عليه و آله ، وهي موارد محدودة مذكورة في مظانّها ، فهما - جميعا - حليمان مهيبان نجدان جوادان ، وتجلّي بعض الخصال فيهما في آن ما إنّما هو باعتبار التكليف الإلهي الذي وصلهما في الصحيفة المختومة .
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/101 .

الإرشاد ، والروضة ، والاعلام ، وشرف المصطفى صلى الله عليه و آله ، وجامع الترمذي ، وإبانة العكبري من ثمانية طرق رواه أنس وأبو جحيفة :

إنّ الحسين عليه السلام كان يشبه النبي صلى الله عليه و آله من صدره إلى رأسه ، والحسن عليه السلام يشبه به من صدره إلى رجليه(1)(2) .

تسميتهما

مسند أحمد بالإسناد عن هاني بن هاني عن علي عليه السلام قال : لمّا ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : أروني ابني ، ما سمّيتموه ؟ قلت : سمّيته حربا !! قال : بل هو حسن .

فلمّا ولد الحسين عليه السلام جاء النبي صلى الله عليه و آله فقال : أروني ابني ، ما سمّيتموه ؟ قلت : سمّيته حربا(3) !

ص: 89


1- كذا في النسخ وفي بعض المصادر ، وفي مصادر أخرى عكس صورة الشبه ، فقال : كان الحسن عليه السلام يشبه النبي صلى الله عليه و آلهمن صدره الى رأسه والحسين عليه السلام يشبهه من صدره الى رجليه . ولم نجد هذا التفصيل في الشبه منسوبا الى الأئمة عليهم السلام ولا في طرق الشيعة حسب تفحّصنا في المصادر الى حين كتابة هذه السطور .
2- الإرشاد للمفيد : 2/27 ، روضة الواعظين : 165 ، الخرائج : 2/889 ، اعلام الورى : 1/425 ، سنن الترمذي : 5/325 رقم 3868 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 1/247 ، شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 250 .
3- لا يوجد تسمية أمير المؤمنين 7 لابنيه ب-« حرب » في أمالي الصدوق : 134 مج 28 ح 3 وأمالي الطوسي : 367 مج 13 ، ح 781 وعلل الشرائع : 1/137 باب 116 ح 5 و1/138 باب 116 ح 7 ومعاني الأخبار : 57 ح 6 .

قال : بل هو حسين(1) .

مسندا أحمد وأبي يعلى قال : لمّا ولد الحسن عليه السلام سمّاه حمزة ، فلمّا ولد الحسين عليه السلام سمّاه جعفرا .

قال علي عليه السلام : فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : إنّي أمرت أن أغيّر اسم

هذين ، فقلت : اللّه ورسوله أعلم ، فسمّاهما حسنا وحسينا(2) .

وقد روينا نحو هذا عن ابن عقيل(3) .

محمد بن علي عن أبيه عليهماالسلام قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمرت أن اسمّي ابني هذين حسنا وحسينا(4) .

شرح الأخبار قال الصادق عليه السلام : لمّا ولد الحسن بن علي عليهماالسلام أهدى جبرئيل عليه السلام إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله اسمه في سرقة من حرير من ثياب الجنّة

فيها « حسن » ، واشتق منها اسم الحسين عليه السلام .

فلمّا ولدت فاطمة الحسن عليهماالسلام أتت به رسول اللّه صلى الله عليه و آله فسمّاه حسنا .

فلمّا ولدت الحسين عليه السلام أتته به ، فقال : هذا أحسن من ذلك ، فسمّاه الحسين .

قوله : سرقة ، أي أحسن الحرير(5) .

ص: 90


1- مسند أحمد : 1/98 .
2- مسند أحمد : 1/159 .
3- المستدرك للحاكم : 4/277 .
4- الفردوس للديلمي : 1/397 رقم 1602 .
5- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/110 ح 1045 .

ابن بطّة في الإبانة من أربع طرق منها : أبو الخليل عن سلمان ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : سمّى هارون ابنيه شبرا وشبيرا ، وإنّي سمّيت ابني الحسن والحسين(1) .

مسند أحمد ، وتاريخ البلاذري ، وكتب الشيعة : أنّه صلى الله عليه و آله قال : إنّما سمّيتهم بأسماء أولاد هارون شبرا وشبيرا(2) .

فردوس الديلمي عن سلمان قال النبي صلى الله عليه و آله : سمّى هارون ابنيه شبرا وشبيرا ، وإنّي سمّيت ابني الحسين والحسين بما سمّى هارون ابنيه(3) .

عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال : قدم راهب على قعود له ، فقال : دلّوني على منزل فاطمة عليهاالسلام .

قال : فدلّوه عليها ، فقال لها : يا بنت رسول اللّه ، أخرجي إليّ ابنيك ، فأخرجت إليه الحسن والحسين عليهماالسلام ، فجعل يقبّلهما ويبكي ، ويقول : اسمها في التوراة « شبر وشبير » ، وفي الإنجيل « طاب وطيب » .

ثم سأل عن صفة النبي صلى الله عليه و آله ، فلمّا ذكروه قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 91


1- تاريخ دمشق : 14/119 .
2- أنساب الأشراف : 1/404 ، الطبقات الكبرى لابن سعد : 1/245 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/89 ح 1016 ، تاريخ دمشق : 14/118 ، مسند أحمد : 1/98 ، المسترشد للطبري : 449 ، الأدب المفرد للبخاري : 178 ، الذرية الطاهرة للدولابي : 99 رقم 91 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/96 .
3- الفردوس للديلمي : 2/339 رقم 3533 .

قال ابن الحجاج :

طوّلي أو فقصّري

واعذليني أو اعذري

أنا مولى لحيدر

وشبير وشبر

* * *

انفرادهما بالاسم

عمران بن سلمان ، وعمرو بن ثابت قالا : الحسن والحسين اسمان من أسامي أهل الجنّة ، ولم يكونا في الدنيا(1) .

جابر : قال النبي صلى الله عليه و آله : سمّي الحسن حسنا ، لأنّ باحسان اللّه قامت السماوات والأرضون ، واشتق الحسين من الإحسان ، وعلي والحسن اسمان من أسماء اللّه تعالى ، والحسين تصغير الحسن(2) .

وحكى أبو الحسين النسابة : كان اللّه - عزّ وجلّ - حجب هذين الاسمين عن الخلق ، يعني حسنا وحسينا ، حتى يسمّى بهما ابنا فاطمة عليهاالسلام ، فإنّه لا يعرف أنّ أحدا من العرب يسمّى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما ، لا من ولد نزار ، ولا اليمن مع سعة أفخاذهما وكثرة ما فيهما من الأسامي ، وإنّما يعرف فيهما « حسْن » بسكون السين ، و« حسَين » بفتح الحاء وكسر

ص: 92


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/89 ح 1017 ، الذرية الطاهرة للدولابي : 100 رقم 92 ، تاريخ دمشق : 13/171 .
2- مائة منقبة للقمي : 22 م 3 .

السين على مثال حبيب ، فأمّا « حَسَن » بفتح الحاء والسين ، فلا نعرفه إلاّ اسم جبل معروف(1) .

قال الشاعر :

لام الأرض وبل ما أجنت

بحيث أضرّ بالحسن السبيل(2)

* * *

سئل أبو عمه - غلام ثعلب - عن معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام : لقد وطي الحسنان وشقّ عطفاي ، فقال : الحسنان الإبهامان ، وأحدهما حسن .

قال الشنفري :

مهضومة الكشحين درماء الحسن

جماء ملساء بكفيها شثن

* * *

شقّ عطفاي : أي ذيلي .

ص: 93


1- توضيح المشتبه : 3/233 ، تاريخ الخلفاء : 3/85 ، تهذيب الأسماء : 1/162 ، أسد الغابة : 2/9 .
2- الفائق للزمخشري : 1/246 .

فيما انفردا عليهماالسلام به

بينهما طهر واحد

الصادق عليه السلام : لم يكن بين الحسن والحسين عليهماالسلام إلاّ طهر واحد(1) .

النسب

ويقال : الحسن والحسين عليهماالسلام هما الطيبان الطاهران خالان ، والكريمتان الحصانان خالتان ، والنبي صلى الله عليه و آله وأبو طالب عليه السلام جدّان ، وخديجة وفاطمة بنت أسد عليهماالسلام جدّتان ، والطيار وعقيل عليهماالسلام عمّان ، وفاطمة وعلي عليهماالسلام أبوان .

قال ابن العودي :

أبوهم أمير المؤمنين وجدّهم

أبو القاسم الهادي النبي المكرّم

وهذا إذا عدّ المناسب في الورى

هو الصهر والطهر النبي له حم

وخالهم إبراهيم والأمّ فاطم

وعمّهم الطيّار في الخلد ينعم

* * *

ص: 94


1- الاستيعاب : 1/393 ، تفسير القمّي : 2/297 ، التاريخ الكبير للبخاري : 1/127 ، تاريخ دمشق : 14/116 ، الأنساب : للسمعاني : 3/476 .
قول الأعمش

وقال الأعمش : الحسن والحسين عليهماالسلام ، من الثقلين شمسي ضحى ، وبدري دجى ، وكهفي تقى ، وعيني ورى ، وليثي وغى ، وسيفي اما ، ورمحي لوا .

قول واعظ

وقال واعظ : وصلّ على السيّدين ، السندين ، الشهيدين ، الرشيدين ، المفقودين ، المرحومين ، المعصومين ، المظلومين ، المقتولين ، الغريبين ، الإمامين ، العالمين ، العلمين ، الشمسين ، القمرين ، الدرّتين ، الفرقدين ، النورين ، الريحانتين ، الهاديين ، المهديّين ، الطاهرين ، المطهّرين ، الطيّبين ، الأشرفين ، الأكرمين ، الأجودين ، الحسن والحسين عليهماالسلام .

وقال الصنوبري :

وآخى حبيبي حبيب اللّه لا كذب

وابناه للمصطفى المستخلص ابنان

صلّى إلى القبلتين المقتدى بهما

والناس عن ذاك في صمّ وعميان

ما مثل زوجته أخرى يقاس بها

ولا يقاس على سبطين سبطان

* * *

ص: 95

ص: 96

فصل 6 : في مكارم أخلاقهما عليهماالسلام

اشارة

ص: 97

ص: 98

مشيهما عليهماالسلام الى بيت اللّه الحرام

إبراهيم الرافعي عن أبيه عن جدّه قال : رأيت الحسن والحسين عليهماالسلام يمشيان إلى الحجّ ، فلم يمرّا براكب إلاّ نزل يمشي ، فثقل ذلك على بعضهم .

فقال سعد بن أبي وقاص للحسن عليه السلام : يا أبا محمد ، إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك من الناس ، إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا ، فلم ما ركبتما ؟

فقال الحسن عليه السلام : لا نركب ، قد جعلنا على أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام على أقدامنا ، ولكنّا نتنكّب عن الطريق ، فأخذا جانبا من الناس(1) .

جوابهما على مسألة عجز عنها ابن الزبير وابن عثمان

استفتى أعرابي عبد اللّه بن الزبير وعمرو بن عثمان فتواكلا ، فقال : اتقيا اللّه ، فإنّي أتيتكما مسترشدا ، أمواكلة في الدين ! فأشارا عليه بالحسن والحسين عليهماالسلام ، فأفتياه ، فأنشأ أبياتا منها :

جعل اللّه حرّ وجهيكما

نعلين سبتا يطاهما الحسنان

* * *

ص: 99


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/111 ح 1046 ، الإرشاد للمفيد : 2/129 .

استجار مذنب بهما فأطلقه النبي صلى الله عليه و آله

إسماعيل بن يزيد بإسناده عن محمد بن علي عليهماالسلام أنّه قال : أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فتغيّب حتى وجد الحسن والحسين عليهماالسلام في طريق خالٍ ، فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه ، وأتى بهما النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يا رسول اللّه ، إنّي مستجير باللّه وبهما .

فضحك رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى ردّ يده إلى فمه ، ثم قال للرجل : اذهب وأنت طليق ، وقال للحسن والحسين عليهماالسلام : قد شفعتكما فيه أي فتيان .

فأنزل اللّه تعالى : « وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما »(1) .

رجل نذر أن يدهن رجلي أفضل قريش

أخبار الليث بن سعد بإسناده : أنّ رجلاً نذر أن يدهن بقارورة عنده رجلي أفضل قريش ، فسأل عن ذلك ، فقيل : إنّ مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش ، فاسأله عن ذلك .

فأتاه وسأله - وقد خرف - وعنده ابنه المسور ، فمدّ الشيخ رجليه وقال : ادهنهما ، فقال المسور ابنه للرجل : لا تفعل أيّها الرجل ، فإنّ الشيخ قد خرف ، وإنّما ذهب إلى ما كان في الجاهلية ، وأرسله إلى الحسن والحسين عليهماالسلام وقال : ادهن بها أرجلهما ، فهما أفضل الناس وأكرمهم اليوم(2) .

ص: 100


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/117 ح 1061 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/87 ح 1014 .

إمساك ابن عباس الركاب لهما

وفي حديث مدرك بن أبي زياد : قلت لابن عباس ، وقد أمسك للحسن والحسين عليهماالسلام بالركاب وسوّى عليهما : أنت أسنّ منهما تمسك لهما بالركاب !

فقال : يا لكع ، وما تدري من هذان ؟ هذان ابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أوليس ممّا أنعم اللّه به عليّ أن أمسك لهما وأسوّي عليهما(1) .

علّما شيخا كيف يحسن الوضوء

عيون المجالس عن الرؤياني : أنّ الحسن والحسين عليهماالسلام مرّا على شيخ يتوضّأ ولا يحسن ، فأخذا بالتنازع ، يقول كلّ واحد منهما : أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا : أيّها الشيخ كن حكما بيننا ، يتوضّأ كلّ واحد منّا سوّية ، ثم قالا : أيّنا يحسن ؟

قال : كلاكما تحسنان الوضوء ، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن ، وقد تعلّم الآن منكما ، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمّة جدّكما .

ما تكلّم الحسين عليه السلام بين يدي الحسن عليه السلام

الباقر عليه السلام قال : ما تكلّم الحسين عليهماالسلام بين يدي الحسن عليه السلام إعظاما له ، ولا تكلّم محمد بن الحنفية بين يدي الحسين عليه السلام إعظاما له .

ص: 101


1- تاريخ دمشق : 13/239 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 33 رقم 226 .

مقارنة

وقالوا قيل لأيوب : « نِعْمَ الْعَبْدُ » ، وللحسن والحسين عليهماالسلام : نعم المطيّة مطيّتكما ، ونعم الراكبان أنتما .

وقال : « وَإِنْ لَمْ تُؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ » ، وقال الحسين عليه السلام : إن لم تصدّقوني فاعتزلوني ولا تقتلوني .

نكات في حروف الأسماء

اسم علي عليه السلام ثلاثة أحرف ، واسم فاطمة عليهاالسلام خمسة أحرف ، تكون الجملة ثمانية ، وأبواب الجنّة ثمانية .

واسم الحسن عليه السلام ثلاثة أحرف ، واسم الحسين عليه السلام أربعة أحرف تكون الجملة سبعة أحرف ، وأبواب جهنم سبعة .

من أحبّ عليا وفاطمة عليهماالسلام فتح عليه ثمانية أبواب الجنّة .

ومن أحبّ الحسن والحسين عليهماالسلام أغلقت عنه سبعة أبواب جهنم .

و« محمد » « علي » « فاطمة » « حسن » « حسين » تسعة عشر حرفا ، فمن أحبّهم وقي شرّ الزبانية التسعة عشر .

« بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » يوازي أسماء هؤلاء الخمسة .

وقال محاسب كمال الدين :

بعلي وابنيه استويا

في مائة وستّ وثمانين

* * *

ص: 102

وقال أبي الحجاج :

وبالنبي المصطفى اقتدي

والعترة الطيّبة الطاهره

بالأنجم الزهر نجوم الهدى

وبالبحور الجملة الزاخره

* * *

وقال أبو مقاتل :

محمد المختار ثم صنوه

والحسنان ولدا ستّ النساء

* * *

وقال المنذر :

أبا حسن أنت شمس النهار

وهذان في الداجيات القمر

وأنت وهذان حتى الممات

بمنزلة السمع بعد البصر

* * *

وقال ابن دريد :

إنّ النبي محمد ووصيّه

وابنيه وابنته البتول الطاهره

أهل العباء فإنّني بولائهم

أرجو السلامة والنجا في الآخره

وأرى محبّة من قول بفضلهم

سببا يجير من السبيل الحايره

أرجو بذاك رضى المهيمن وحده

يوم الوقوف على ظهور الساهره

* * *

وقال العوني :

ألست ترى جبريل وهو مقرّب

له في العلى من راحة القصد موقف

ص: 103

يقول لهم يوم العبا أنا منكم

فمن مثل أهل البيت إن كنت تنصف

* * *

وقال الصاحب :

لآل محمد أصبحت عبدا

وآل محمد خير البريّه

أناس حلّ فيهم كلّ خير

مواريث النبوة والوصيه

* * *

وقال المؤلف :

اتبع نبي اللّه في دينه

وآله الغرّ الميامينا

لا تتبدل بهم غيرهم

فإنّهم غير ملومينا

* * *

ص: 104

باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام

اشارة

ص: 105

ص: 106

فصل 1 : في المقدّمات

اشارة

ص: 107

ص: 108

الآيات

إِنَّ الأَْبْرارَ

الشيرازي في كتابه بالإسناد عن الهذيل عن مقاتل عن محمد بن الحنفية عن الحسن بن علي عليهماالسلام قال : كلّ ما في كتاب اللّه - عزّ وجلّ - « إِنَّ الأَْبْرارَ » فواللّه ما أراد به إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين عليهم السلام ، لأنّا نحن أبرار بأبنائنا وأمّهاتنا ، وقلوبنا علت بالطاعات والبرّ ، وتبرأت من الدنيا وحبّها ، وأطعنا اللّه في جميع فرائضه ، وآمنّا بوحدانيّته ، وصدّقنا برسوله صلى الله عليه و آله .

فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ

وعنه بهذا الإسناد : قال الحسن بن علي عليهماالسلام في قوله تعالى : « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » قال : صوّر اللّه - عزّ وجلّ - علي بن أبي طالب في ظهر أبي طالب على صورة محمد صلى الله عليه و آله ، فكان فكان علي بن أبي طالب عليهماالسلام

أشبه الناس برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان الحسين بن علي عليهماالسلام أشبه الناس بفاطمة عليهاالسلام ، وكنت أنا أشبه الناس بخديجة الكبرى عليهاالسلام .

ص: 109

وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ

ابن عباس في قوله : « وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرا » أنزلت في رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته خاصّة(1) .

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ

وقرأ الباقر عليه السلام « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ » بالألف إلى آخر الآية(2) ، نزل بها جبرئيل عليه السلام وما عنى بها إلاّ محمدا صلى الله عليه و آله وعليا والأوصياء من ولده(3) عليهم السلام .

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى

موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام ، وأبو الجارود عن الباقر عليه السلام وزيد بن علي في قوله تعالى : « فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » ، قال : مودّتنا أهل البيت(4) .

ص: 110


1- تفسير فرات : 99 ح86 .
2- أي « أئمة » ، المسائل السروية للمفيد : 83 ، تفسير العياشي : 1/195 ح 128 ، تفسير القمّي : 1/10 ، تفسير مجمع البيان : 2/358 .
3- تفسير العياشي : 1/195 ح 129 .
4- الفضائل لابن عقدة : 182 ، تفسير أبي حمزة الثمالي : 119 ح 31 .
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ

الحسن بن علي عليهماالسلام في كلام له : وأعزّ به العرب عامّة ، وشرّف من شاء منه خاصّة ، فقال « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ »(1) .

كَلاّ إِنَّ كِتابَ الأَْبْرارِ

الباقر عليه السلام في قوله : « كَلاّ إِنَّ كِتابَ الأَْبْرارِ » إلى قوله « الْمُقَرَّبُونَ » وهو رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(2) عليهم السلام .

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

وصحّ عن الحسن بن علي عليهماالسلام أنّه خطب الناس ، فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الذين افترض اللّه مودّتهم على كلّ مسلم ، فقال تعالى شأنه : « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » وقوله : « وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا » ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت(3) .

إسماعيل بن عبد الخالق عن الصادق عليه السلام قال : إنّها نزلت فينا أهل البيت[ في الحسن والحسين وعلي وفاطمة عليهم السلام ] أصحاب الكساء(4) .

ص: 111


1- الفتوح لابن أعثم : 4/284 ، مطالب السؤول : 356 .
2- تفسير القمّي : 2/411 ، تفسير فرات : 544 ح 698 .
3- مسائل عليبن جعفر: 328 ح 817، مقاتل الطالبيين: 33، المستدرك للحاكم: 3/172، تفسير فرات : 197 ح 256 ، بشارة المصطفى : 370 ح 3 ، أمالي الطوسي : 2/174 .
4- تفسير مجمع البيان : 9/50 ، قرب الإسناد : 129 ، الكافي : 8/93 ح 66 .

العكبري في فضائل الصحابة باسناده عن أبي مالك ، وأبو صالح عن ابن عباس ، والثمالي بإسناده عن السدي عن ابن عباس قال : « اقتراف الحسنة » المودّة لآل محمد(1) صلى الله عليه و آله .

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ . .

عمار بن يقظان الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ » قال : ولايتنا أهل البيت - وأهوى بيده إلى صدره - فمن لم يتولّنا لم يرفع اللّه عملاً(2) .

النداء ثلاثة

وقالوا : النداء ثلاثة :

نداء من اللّه للخلق ، نحو : « وَناداهُما رَبُّهُما » ، « وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ » ، « وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ » .

والثاني : نداء من الخلق إلى اللّه ، نحو : « وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ » ، « فَنادى فِي الظُّلُماتِ » ، « وَزَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ » .

والثالث : نداء الخلق للخلق ، نحو : « فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ » ، « فَناداها مِنْ تَحْتِها » ، « يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ » ، « وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ » ،

ص: 112


1- شواهد التنزيل للحسكاني : 2/213 رقم 846 ، تفسير الثعلبي : 8/314 .
2- الكافي : 1/430 ح 85 .

« وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ » ، « وَنادَوْا يا مالِكُ » .

ونداء النبي صلى الله عليه و آله وذريّته : « رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِيا يُنادِي لِلإِْيمانِ » .

خطبة للصاحب

وخطب الصاحب ، فقال :

الحمد للّه ذي النعمة العظمى ، والمنحة الكبرى ، الداعي إلى الطريقة المثلى ، الهادي إلى الخليقة الحسنى ، « الَّذِي خَلَقَ فَسَوّى » ، و« قَدَّرَ فَهَدى » ، و « أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى » .

وبعث محمد صلى الله عليه و آله من منصب مجتبى ، وأصل منتمى ، أرسله والناس سدى ، يتردّدون بين الضلالة والعمى ، فنبّه على خير الآخرة والأولى ، لم يلتمس « أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » ، شدّ أزره بأخيه المرتضى ، وسيفه

المنتضى ، ومن أحلّه محلّ هارون من موسى .

وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، شهادة تبلغ المدى ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، خير من أرسل ودعا ، وأفضل من ارتدى واحتذى ، صلى الله عليه و آله .

شموس الضحى ، وأقمار الدجى ، وشجرة طوبى ، وسفينة نوح التي من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق في طوفان العمى ، ذريّة أذهب اللّه عنهم الرجس والأذى ، وطهّرها من كلّ دنس وقذى ، صلّى اللّه عليهم عدد الرمل والحصى ، والنجوم في السما .

ص: 113

قالوا في الإمام الحسن عليه السلام

وقالوا : الإمام المؤتمن ، منيم الثأر والإحن !!!! صاحب السمّ والمحن ، قالع الصنم والوثن ، واضع الفرائض والسنن ، أبو محمد الحسن عليه السلام .

ناعش ذوي المقربة ، ومطعم يوم المسغبة ، علم منشور ، ودر منثور ، ودين مذكور ، وسيف مشهور ، من منبع الأنبياء ، ومن منجر(1) الأوصياء ، ومن مزرع الزهراء عليهاالسلام ، وفي أهل العباء والكساء ، معدن السخاء ، شجرة الصفاء ، ثمرة الوفاء ، ابن خير الرجال وخير النساء .

كلمة التقوى ، العروة الوثقى ، سليل الهدى ، رضيع التقى ، غيث الندى ، غياث الورى ، ضياء العلى ، قرّة عين الزهراء

عليهاالسلام ، وولي عهد المرتضى عليه السلام ، أشبه الخلق بالمصطفى صلى الله عليه و آله ، مرضي المولى ، الحسن المجتبى عليه السلام .

قبلة العارفين ، وعلم المهتدين ، وثاني الخمسة الميامين ، الذي افتخر بهم الروح الأمين ، وباهل بهم اللّه المباهلين ، منبع الحكمة ، معدن العصمة ، كاشف الغمّة ، مفزع الأمّة ، وليّ النعمة ، عالي الهمّة ، جوهر الهداية ، طيّب البداية والنهاية ، صاحب اللّواء والراية ، أصل العلم والدراية ، محلّ الفهم والرواية ، والفضل والكفاية ، وأهل الإمامة والولاية ، والخلافة والدراية .

جوهر صدف النبوة ، ودرّ بحر أحمدية ، تاج آل محمدية ، ونور سعادة نسل إبراهيم عليه السلام ، سراج دولة أصل إسماعيل عليه السلام ، السبط المبجّل ، والإمام المفضّل ، أجلّ الخلائق في زمانه وأفضلهم ، وأعلاهم حسبا ونسبا وعلما ،

ص: 114


1- المنجر : من النجر : أي الأصل .

وأجلّ وأكمل ، سيّد شباب أهل الجنّة ، خدمته فرض على العالمين ومنّة ، وحبّه للمسلمين من النيران جنّة ، ومتابعته على الموحّدين واجب لا سنّة .

عنصر الشريعة والإسلام ، وقطب العلوم والأحكام ، وفلك شرائع الحلال والحرام ، شمس أولاد الرسول ، وقرّة عين البتول ، سماوة(1) الهلال ، وقامع أهل الضلال ، ومن اصطفاه اللّه الكبير المتعال ، ثمرة قلب النبي صلى الله عليه و آله ، قرّة عين الوصيّ ، ومن مدحه اللّه العليّ ، الحسن بن علي عليهماالسلام .

السبط الأوّل ، والإمام الثاني ، والمقتدى الثالث ، والذكر الرابع ، والمباهل الخامس ، الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

في الحساب

وزنه في الحساب « وليّ اللّه ووصيّه » لاستوائهما في ثلاثمائة وثلاث وخمسين .

قال ابن هاني المغربي :

هو علّة الدنيا ومن خلقت له

ولعلّة ما كانت الأشياء

من صفو ماء الوحي وهو مجاجة

من حوضة الينبوع وهو شفاء

من أبكت الفردوس حيث تفتقت

ثمراتها وتفيأ الأفياء

من شعلة القبس التي عرضت على

موسى وقد حارت به الظلماء

من معدن التقديس وهو سلالة

من جوهر الملكوت وهو ضياء

ص: 115


1- السماوة من البيت سقفه ، ومن كلّ شيء شخصه ووجهه .

هذا الذي عطفت عليه مكة

وشعابها والركن والبطحاء

فعليه من سيما النبي دلالة

وعليه من نور الإله بهاء

* * *

وله أيضا :

وخير زاد المرء من بعد التقى

حبّ التقاة الغرّ أصحاب الكسا

* * *

وقال العبدي :

محمد وصنوه وابنته

وابناه خير من تحفّى واحتذى

صلّى عليهم ربّنا باري الورى

ومنشيء الخلق على وجه الثرى

صفّاهم اللّه تعالى وارتضى

واختارهم من الأنام واجتبى

لولاهم ما رفع اللّه السما

ولا دحى الأرض ولا أنشا الورى

لا يقبل اللّه لعبد عملاً

حتى يواليهم بإخلاص الولا

ولا يتمّ لامرء صلاته

إلاّ بذاكرهم ولا يزكو الدعا

لو لم يكونوا خير من وطأ الحصى

ما قال جبريل لهم تحت العبا

هل أنا منكم شرف ثم علا

يفاخر الإملاك إذ قالوا بلى

* * *

ص: 116

فصل 2 : في معجزاته عليه السلام

اشارة

ص: 117

ص: 118

دعا أبا سفيان للإسلام وهو ابن أربعة عشر شهرا

محمد بن إسحاق بالإسناد : جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، جئتك في حاجة ، قال : وفيم جئتني ؟ قال : تمشي معي إلى ابن عمّك محمد صلى الله عليه و آله ، فتسأله أن يعقد لنا عقدا ، ويكتب لنا كتابا ، فقال : يا أبا سفيان ، لقد عقد لك رسول اللّه صلى الله عليه و آله عقدا لا يرجع عنه أبدا .

وكانت فاطمة عليهاالسلام من وراء الستر ، والحسن يدرج بين يديها ، وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهرا ، فقال لها : يا بنت محمد ، قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه العرب والعجم .

فأقبل الحسن عليه السلام إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والأخرى على لحيته ، ثم أنطقه اللّه - عزّ وجلّ - بأن قال : يا أبا سفيان قل : « لا إله إلاّ اللّه محمدا رسول اللّه » حتى أكون شفيعا ، فقال عليه السلام : الحمد اللّه الذي جعل في آل محمد من ذريّة محمد المصطفى نظير يحيى بن زكريا « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا »(1) .

أطعم زبيريا رطبا من نخلة يابسة

بصائر الدرجات : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام خرج في عمرة ومعه رجل

ص: 119


1- الخرائج : 1/236 ح 1 .

من ولد الزبير ، فنزلوا في منهل تحت نخل يابس ، فقال الزبيري : لو كان في هذا النخل رطب أكلناه ، فقال الحسن عليه السلام : أو أنت تشتهي الرطب ؟ فقال : نعم .

فرفع الحسن عليه السلام يده إلى السماء ، فدعا بكلام لم يفهمه ، فاخضرت النخلة وأورقت ، وحملت رطبا ، فصعدوا على النخلة ، فصرموا(1) ما فيها فكفاهم(2) .

إخباره أنّ داره لم تحترق

أبو حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه السلام قال : كان الحسن بن علي عليهماالسلام

جالسا ، فأتاه آتٍ ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، قد احترقت دارك ، قال : لا ما احترقت .

إذ أتاه آتٍ ، فقال : يا ابن رسول اللّه ، قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك حتى ما شككنا أنّها ستحرق دارك ، ثم إنّ اللّه صرفها عنها(3) .

دعا عليه السلام على زياد فأهلكه

واستغاث الناس من زياد إلى الحسن بن علي عليهماالسلام ، فرفع يده وقال :

ص: 120


1- صرم الشيء : جزّه وقطعه .
2- بصائر الدرجات : 276 باب 13 ح 10 ، الكافي : 1/462 ح 4 ، الثاقب في المناقب : 308 ح 258 ، الخرائج : 2/571 ح 1 .
3- انظر الثاقب في المناقب : 138 .

اللّهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد ابن أبيه وأرنا فيه نكالاً عاجلاً إنّك على كلّ شيء قدير .

قال : فخرج خرّاج في إبهام يمينه ، يقال لها « السلعة » ، وورم إلى عنقه ، فمات(1) .

ادّعى رجل على الحسن عليه السلام مالاً كذبا فأحلفه عليه السلام فهلك

ادّعى رجل على الحسن بن علي عليهماالسلام ألف دينار كذبا ، ولم يكن له عليه ، فذهبا إلى شريح ، فقال للحسن عليه السلام : أتحلف ؟ قال : إن حلف خصمي أعطيه .

فقال شريح للرجل : قل باللّه الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة ، فقال الحسن عليه السلام : لا أريد مثل هذا ، قل : باللّه أنّ لك عليّ هذا وخذ الألف .

فقال الرجل ذلك وأخذ الدنانير ، فلمّا قام خرّ إلى الأرض ومات .

فسئل الحسن عليه السلام عن ذلك ، فقال : خشيت أنّه لو تكلّم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد ، ويحجب عنه عقوبة يمينه .

معجزتان في طريق الحجّ

أبو أسامة : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام حجّ ماشيا فتورّمت قدماه ، فقيل له : لو ركبت مركبا يسهل عليك الطريق ، فقال : لا تبالوا ، فإنّا إذا بلغنا

ص: 121


1- الفتوح لابن أعثم : 4/316 .

المنزل يستقبلنا أسود بدهن ينفع الورم ، فقالوا : نفديك بآبائنا وأمهاتنا ، ليس من قبلنا منزل يباع فيه هذا ، قال : لن نبلغ المنزل إلاّ بعد قدومه .

فلم نسر إلاّ قليلاً حتى قال : دونكم الرجل ، فأتوه ، وسئل عن الدهن فقال : لمن تسألون ؟

فقالوا : للحسن بن علي عليهماالسلام ، قال : ائتوني إليه .

فلمّا أتوه قال : ما كنت أزعم أنّ الدهن يستدعى لأجلك ، ولي إليك حاجة أن تدعو لي لأرزق ولدا برّا تقيّا ، فإنّي ودّعت أهلي تمخض وكانت حاملاً ، فقال : يهب لك ولدا ذكرا سويّا شيعيّا ، فكان كما قال ، وأطلى رجليه بالدهن ، فبرأ بإذن اللّه تعالى(1) .

إذا جلس عليه السلام انقطع الطريق وإذا مشى نزل الناس

محمد بن إسحاق في كتابه قال : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما بلغ الحسن عليه السلام ، كان يبسط له على باب داره ، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق ، فما مرّ أحد من خلق اللّه إجلالاً له ، فإذا علم قام ودخل بيته ، فمرّ الناس .

ولقد رأيته في طريق مكة ماشيا ، فما من خلق اللّه أحد رآه إلاّ نزل ومشى حتى رأيت سعد بن أبي وقاص يمشي(2) .

ص: 122


1- الكافي : 1/463 ، الخرائج : 1/239 ح 4 .
2- اعلام الورى : 1/412 .

كان يحفظ الوحي ويلقي على أمّه . .

أبو السعادات في الفضائل : أنّه أملى الشيخ أبو الفتوح في مدرسة الناجية : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام كان يحضر مجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وهو ابن سبع سنين ، فيسمع الوحي فيحفظه ، فيأتي أمّه فيلقي إليها ما حفظه .

فلمّا دخل علي عليه السلام وجد عندها علما ، فيسألها عن ذلك ، فقالت : من ولدك الحسن عليه السلام ، فتخفّى يوما في الدار ، وقد دخل الحسن عليه السلام ، وقد سمع الوحي ، فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه ، فعجبت أمّه من ذلك ، فقال : لا تعجبين يا أمّاه ، فإنّ كبيرا يسمعني ، واستماعه قد أوقفني ، فخرج علي عليه السلام فقبّله .

وفي رواية : يا أمّاه قلّ بياني ، وكلّ لساني ، لعلّ سيّدا يرعاني .

إخباره أنّ قاتله في بيته

الحسن بن أبي العلى عن جعفر بن محمد : قال الحسن بن علي عليهماالسلاملأهل بيته : إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال له أهل بيته : ومن الذي يسمّك ؟ قال : جاريتي أو امرأتي ، فقالوا له : أخرجها من ملكك عليها لعنة اللّه .

فقال عليه السلام : هيهات من إخراجها ومنيّتي على يدها ، ما لي منها محيص ، ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها ، كان قضاء مقضيا وأمرا واجبا من اللّه .

فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية إلى امرأته ، قال : فقال الحسن عليه السلام : هل عندك من شربة لبن ؟ فقالت : نعم ، وفيه ذلك السمّ بعث به معاوية .

ص: 123

فلمّا شربه وجد مسّ السمّ في جسده ، فقال : يا عدوّة اللّه ، قتلتيني قاتلك اللّه ، أما - واللّه - لا تصيبن منّي خلفا ، ولا تنالين من الفاسق عدوّ اللّه اللّعين خيرا أبدا(1) .

إخباره عليه السلام عن ملكهم

إسماعيل بن أبان بإسناده عن الحسن بن علي عليهماالسلام أنّه مرّ في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحلقة فيها قوم من بني أميّة ، فتغامزوا به ، وذلك عندما تغلّب معاوية على ظاهر أمره ، فرآهم وتغامزهم به ، فصلّى ركعتين فقال :

قد رأيت تغامزكم ، أما - واللّه - لا تملكون يوما إلاّ ملكنا يومين ، ولا شهرا إلاّ ملكنا شهرين ، ولا سنة إلاّ ملكنا سنتين ، وإنّا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح ، وأنتم لا تركبون في سلطاننا ولا تشربون ولا تأكلون ولا تنكحون .

فقال له رجل : فكيف يكون ذلك - يا أبا محمد - وأنتم أجود الناس وأرأفهم وأرحمهم ، تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم !

فقال : لأنّهم عادونا بكيد الشيطان ، وهو ضعيف ، وعاديناهم بكيد اللّه ، وكيد اللّه شديد(2) .

ص: 124


1- الخرائج : 1/214 ح7 .
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/96 ح 1022 .

لو دعوت اللّه لجعل الرجل مرأة والمرأة رجلاً

محمد الفتال النيسابوري في مؤنس الحزين بالإسناد عن عيسى بن الحسن عن الصادق عليه السلام قال بعضهم للحسن بن علي عليهماالسلام في احتماله الشدائد عن معاوية ، فقال عليه السلام كلاما معناه : لو دعوت اللّه - تعالى - لجعل العراق شاما والشام عراقا ، وجعل المرأة رجلاً والرجل امرأة .

فقال الشامي : ومن يقدر على ذلك ؟ فقال عليه السلام : انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرجال ، فوجد الرجل نفسه امرأة .

ثم قال : وصارت عيالك رجلاً ، وتقاربك وتحمل عنها ، وتلد ولدا خنثى ، فكان كما قال عليه السلام .

ثم إنّهما تابا وجاءا إليه ، فدعا اللّه - تعالى - فعادا إلى الحالة الأولى .

مباهاته عليه السلام

وروى الحاكم في أماليه للحسن عليه السلام : من كان يباهي بجدّ فجدّي الرسول صلى الله عليه و آله ، أو كان يباهي بأمّ فإنّ أمّي البتول عليهاالسلام ، أو كان يباهي بزور فيزورنا جبرئيل عليه السلام .

قال الشاعر :

إليكم كلّ مكرمة تؤول

إذا ما قيل جدّكم الرسول

كفاكم من مديح الناس طرّا

إذا ما قيل أمّكم البتول

وإنّكم لآل اللّه حقّا

ومنكم ذو الأمانة جبرئيل

فلا يبقي لمادحكم كلام

إذا تمّ الكلام فما يقول

ص: 125

وقال أبو علي :

من كان خالق هذا الخلق مادحه

فإنّ ذلك شيء منه مفروغ

فإن أطل أو أقصّر في مدائحه

فليس بعد بلاغ اللّه تبليغ

* * *

ص: 126

فصل 3 : في علمه وفصاحة عليه السلام

اشارة

ص: 127

ص: 128

نحن الذين نعلم

قال أحدهما عليهماالسلام في قوله تعالى : « هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ

لا يَعْلَمُونَ » نحن الذين نعلم ، وأعداؤنا الذين لا يعلمون ، وشيعتنا أولوا الألباب(1) .

فيّ عزّة

وقيل للحسن بن علي عليهماالسلام : إنّ فيك عظمة ، قال : بل فيّ عزّة ، قال اللّه تعالى « وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤمِنِينَ »(2) .

عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك

وقال واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليهماالسلام عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك .

للّه مدينتان ما عليهما حجّة غير الحسنين عليهماالسلام

محمد بن عمير عن رجاله عن أبي عبد اللّه عن الحسن بن علي عليهماالسلام

ص: 129


1- بصائر الدرجات للصفار : 75 باب 24 ح 2 ، مشكاة الأنوار : 172 .
2- تحف العقول لابن شعبة : 234 .

قال : إنّ للّه مدينتين : إحداهما بالمشرق ، والأخرى بالمغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كلّ مدينة ألف ألف باب ، لكلّ باب مصراعان من ذهب ، وفيهما سبعون ألف لغة ، يتكلّم كلّ واحد بخلاف لغة صاحبه ، وأنا أعرف جميع اللّغات ، وما فيهما وما بينهما ، وما عليهما حجّة غيري وغير الحسين أخي(1) .

سئل عليه السلام عن بدو الزكاة

سئل الحسن بن علي عليهماالسلام عن بدو الزكاة ، فقال : إنّ اللّه - تعالى - أوحى إلى آدم عليه السلام أن زكّ عن نفسك يا آدم ، قال : يا ربّ ، وما الزكاة ؟ قال : صلّ لي عشرة ركعات ، فصلّى .

ثم قال : ربّ هذه الزكاة عليّ وعلى الخلق ؟ قال اللّه : هذه الزكاة عليك في الصلاة ، وعلى ولدك في المال ، من جمع من ولدك مالاً(2) .

جوابه عليه السلام على مسألة عجز عنها الأدعياء

القاضي النعمان في شرح الأخبار بالإسناد عن عبادة بن الصامت ، ورواه جماعة : سأل أعرابي أبا بكر ، فقال : إنّي أصبت بيض نعام فشويته وأكلته وأنا محرم ، فما يجب عليّ ؟ فقال له : يا أعرابي ، أشكلت عليّ في قضيتك .

ص: 130


1- بصائر الدرجات للصفار : 514 باب 15 ح 11 ، الكافي : 1/462 ح 5 ، الاختصاص للمفيد : 219 .
2- روضة الواعظين : 357 .

فدلّه على عمر ، ودلّه عمر على عبد الرحمن ، فلمّا عجزوا قالوا : عليك بالأصلع .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : سل أيّ الغلامين شئت .

فقال الحسن عليه السلام : يا أعرابي ألك إبل ؟ قال : نعم ، قال : فاعمد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقا فاضربهن بالفحول ، فما فضل منها فاهده إلى بيت اللّه العتيق الذي حججت إليه .

فقال أمير المؤمنين : إنّ من النوق السلوب ومنها ما يزلق(1) ، فقال : إن يكن من النوق السلوب وما يزلق ، فإنّ من البيض ما يمرق(2) .

قال فسمع صوت : معاشر الناس ، إنّ الذي فهّم هذا الغلام هو الذي فهّمها سليمان بن داود(3) .

حكمه في جارية زفّت فافتضتها ضرّتها

من لا يحضره الفقيه : أنّه استفتي عليه السلام عن جارية زفّت إلى بيت رجل ، فوثبت عليها ضرّتها وضبطتها بنات عمّ لها ، فافتضّتها بأصبعها .

فقال عليه السلام : التي افتضتها زانية ، عليها صداقها وجلد مائة ، واللواتي ضبطنها مفتريات ، عليهن جلد ثمانين(4) .

ص: 131


1- الناقة السلوب : التي مات ولدها أو ألقته لغير تمام ، وأزلقت الناقة : أجهضت أي ألقت ولدها قبل تمامه .
2- مرقت البيضة : فسدت .
3- الهداية الكبرى : 189 .
4- الفقيه للصدوق : 3/21 ، الكافي : 6/42 ح 6 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 6/308 ح 852 .

حكم عليه السلام في مسألة بحكم أمير المؤمنين عليه السلام

الكليني في الكافي : أنّه جاء في حديث عمر بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أنّه سئل الحسن عليه السلام عن امرأة جامعها زوجها ، فقامت بحرارة جماعه ، فساحقت جارية بكرا ، وألقت النطقة إليها ، فحملت .

فقال عليه السلام : أمّا في العاجل فتؤخذ المرأة بصداق هذه البكر ، لأنّ الولد لا يخرج منها حتى يذهب عذرتها ، ثم ينتظر بها حتى تلد ، فيقام عليها الحدّ ، ويؤخذ الولد فيردّ إلى صاحب النطفة ، وتؤخذ المرأة ذات الزوج فترجم .

قال : فاطلع أمير المؤمنين عليه السلام وهم يضحكون ، فقصّوا عليه القصّة ، فقال : ما أحكم إلاّ ما حكم به الحسن(1) عليه السلام .

وفي رواية : لو أنّ أبا الحسن لقيهم ما كان عنده إلاّ ما قال الحسن(2) عليه السلام .

من أحيى نفسا فلا يجب عليه قود

من لا يحضره الفقيه عن ابن بابويه بإسناده عن الرضا عليه السلام : أنّه أتي عمر برجل وجد على رأسه قتيل ، وفي يده سكين مملوءة دما ، فقال الرجل : لا - واللّه - ما قتلته ولا أعرفه ، وإنّما دخلت بهذه السكين أطلب شاة لي عدمت من بين يدي ، فوجدت هذا القتيل ، فأمر عمر بقتله .

ص: 132


1- الكافي : 7/203 ح 1 .
2- تهذيب الأحكام للطوسي : 10/58 ح 211 .

فقال الرجل القاتل : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، قد قتلت رجلاً ، وهذا رجل آخر يقتل بسببي ، فشهد على نفسه بالقتل .

فأدركهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال :[ اذهبوا إلى الحسن ابني ليحكم بينكم ، فذهبوا إليه ، وقصّوا عليه القصّة ، فقال عليه السلام : ] لا يجب عليه القود ، إن كان قتل نفسا فقد أحيى نفسا ، ومن أحيى نفسا فلا يجب عليه قود .

فقال عمر : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : أقضاكم علي ، وأعطى ديّته من بيت المال .

وفي الكافي والتهذيب : أبو جعفر : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سأل فتوى ذلك الحسن عليه السلام ، فقال : يطلق كلاهما ، والديّة من بيت المال ، قال : ولم ؟ قال لقوله : « وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعا »(1) .

ص: 133


1- الكافي : 7/289 ح 2 ، الفقيه للصدوق : 3/23 ح 13252 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 6/315 ح 874 وفيهما : وقال أبو جعفر عليه السلام : وجد على عهد أمير المؤمنين - صلوت اللّه عليه - رجل مذبوح في خربة ، وهناك رجل بيده سكين ملطّخ بالدم ، فأخذ ليؤتى به أمير المؤمنين عليه السلام ، فأقرّ أنّه قتله ، فاستقبله رجل ، فقال لهم : خلّوا عن هذا ، فأنا قاتل صاحبكم ، فأخذ أيضا وأتي به مع صاحبه أمير المؤمنين عليه السلام . فلمّا دخلوا قصّوا عليه القصّة ، فقال للأول : ما حملك على الإقرار ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّي رجل قصاب ، وقد كنت ذبحت شاة بجنب الخربة ، فأعجلني البول ، فدخلت الخربة وبيدي سكين ملطّخ بالدم ، فأخذني هؤلاء وقالوا : أنت قتلت صاحبنا ، فقلت : ما يغني عنّي الانكار شيئا وههنا رجل مذبوح ، وأنا بيدي سكين ملطخ بالدم ، فأقررت لهم أنّي قتلته . فقال علي عليه السلام للآخر : ما تقول أنت ؟ قال : أنا قتلته يا أمير المؤمنين . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : اذهبوا إلى الحسن ابني ليحكم بينكم . فذهبوا إليه وقصّوا عليه القصّة ، فقال عليه السلام : أمّا هذا فإن كان قد قتل رجلاً فقد أحيا هذا ، واللّه - عزّ وجلّ - يقول : « وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعا » ليس على أحد منهما شيء ، وتخرج الدية من بيت المال لورثة المقتول .

لو كنت بالمدينة لأريتك منازل جبرئيل من ديارنا

أبو سنان عن رجل من أهل الكوفة : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام كلّم رجلاً ، فقال : من أيّ بلد أنت ؟

قال : من الكوفة ، قال : لو كنت بالمدينة لأريتك منازل جبرئيل عليه السلام من ديارنا .

خطبة له عليه السلام

محمد بن سيرين : أنّ عليا عليه السلام قال لابنه الحسن عليه السلام : إجمع الناس ، فاجتمعوا ، فأقبل وخطب الناس ، فحمد اللّه وأثنى عليه وتشهد ، ثم قال :

أيّها الناس ! إنّ اللّه اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، وأنزل علينا كتابه ووحيه .

وأيم اللّه ، لا ينقصنا أحد من حقّنا شيئا إلاّ انتقصه اللّه من حقّه ، في عاجل دنياه وآخرته ، ولا يكون علينا دولة إلاّ كانت لنا العاقبة « وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » .

ثم نزل ، فجمع بالناس ، وبلغ أباه ، فقبّل بين عينيه ، ثم قال : بأبي وأمّي « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » .

ص: 134

خطبة له عليه السلام أمام معاوية

العقد عن ابن عبد ربّه الأندلسي ، وكتاب المدائني أيضا : أنّه قال عمرو بن العاص لمعاوية : لو أمرت الحسن بن علي عليهماالسلام يخطب على المنبر ، فلعلّه حصر فيكون ذلك وضعا له عند الناس ، فأمر الحسن عليه السلامبذلك .

فلمّا صعد المنبر تكلّم وأحسن ، ثم قال : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن أوّل المسلمين إسلاما ، وأمّي فاطمة بنت رسول اللّه ، أنا ابن البشير النذير ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين .

وفي رواية ابن عبد ربّه : لو طلبتم ابنا لنبيّكم ما بين لابتيها لم تجدوا غيري وغير أخي .

فناداه معاوية : يا أبا محمد حدّثنا بنعت الرطب ، أراد بذلك أن يخجله ويقطع بذلك كلامه .

فقال : نعم ، تلفحه الشمال ، وتخرجه الجنوب ، وتنضجه الشمس ، ويطيّبه القمر .

وفي رواية المدائني : الريح تنفحه ، والحرّ ينضجه ، والليل يبرده ويطيّبه .

وفي رواية المدائني : فقال عمرو : أبا محمد ، هل تنعت الخرأة ؟

قال : نعم ، تبعد الممشى في الأرض الصحصح(1) حتى تتوارى من

ص: 135


1- الصحصح والصحصاح : الأرض المستوية الجرداء .

القوم ، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تمسح باللقمة والرمّة - يريد العظم والروث - ولا تبل في الماء الراكد(1) .

خطبة أخرى له عليه السلام أمام معاوية

المنهال بن عمرو : أنّ معاوية سأل الحسن عليه السلام أن يصعد المنبر وينتسب ، فصعد ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال :

أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فسأبيّن له نفسي : بلدي مكة ومنى ، وأنا ابن المروة والصفا ، وأنا ابن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله ، وأنا ابن من علا الجبال الرواسي ، وأنا ابن من كسا محاسن وجهه الحياء ، أنا ابن فاطمة سيّدة النساء عليهاالسلام ، أنا ابن قليلات العيوب ، نقيات الجيوب .

وأذن المؤذن ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه .

فقال لمعاوية : محمد أبي أم أبوك ؟ فإن قلت ليس بأبي فقد كفرت ، وإن

قلت : نعم ، فقد أقررت .

ثم قال : أصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمدا منها ، وأصبحت العجم تعرف حقّ العرب بأنّ محمدا منها ، يطلبون حقّنا ولا يردّون الينا حقّنا(2) .

ص: 136


1- العقد الفريد : 4/19 ، أمالي الصدوق : 244 مج 33 ح 262 ، الاحتجاج للطبرسي : 1/418 .
2- تحف العقول لابن شعبة الحراني :233 وذكر أنّ معاوية قاطعه ، فقال له : أظنّ نفسك - يا حسن - تنازعك إلى الخلافة ؟ فقال : ويلك - يا معاوية - إنّما الخليفة من سار بسيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعمل بطاعة اللّه ! ولعمري إنّا لأعلام الهدى ، ومنار التقى ، ولكنك - يا معاوية - ممّن أبار السنن ، وأحيا البدع ، واتخذ عباد اللّه خولاً ، ودين اللّه لعبا ، فكأن قد أخمل ما أنت فيه ، فعشت يسيرا ، وبقيت عليك تبعاته ! . . . وفي الإحتجاج : 1/418 بتفاوت يسير وفي آخرها : غضب معاوية على ابن العاص ، لأنّه دفعه إلى طلب الخطابة من الإمام عليه السلام ، فقال معاوية لعمرو : واللّه ما أردت إلاّ شيني حين أمرتني بما أمرتني ، واللّه ما كان يرى أهل الشام أنّ أحدا مثلي في حسب ولا غيره حتى قال الحسن عليه السلام ما قال ! قال عمرو : هذا شيء لا يستطاع دفنه ولا تغييره لشهرته في الناس واتضاحه ، فسكت معاوية . وفي الخرائج والجرائح : 1/236 : فقال : أفسدت أهل الشام . فقال عمرو : إليك عنّي إنّ أهل الشام لم يحبّوك محبّة دين ، إنّما أحبّوك للدنيا يتناولونها منك ، والسيف والمال بيدك ، فما يغني عن الحسن عليه السلام كلامه .

جواب مسائل ملك الروم

وكتب ملك الروم إلى معاوية يسأله عن ثلاث : عن مكان بمقدار وسط السماء(1) ، وعن أوّل قطرة دم وقعت على الأرض ، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرّة ، فلم يعلم ذلك .

فاستغاث بالحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال : ظهر الكعبة ، ودم حواء ، وأرض البحر حين ضربه موسى .

وعنه عليه السلام في جواب ملك الروم : ما لا قبلة له فهي الكعبة ، وما لا قرابة له فهو الربّ تعالى .

ص: 137


1- في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/221 : « عن أطهر موضع على وجه الأرض لا تحلّ الصلاة فيه » .

جواب مسائل الشاميّ

وسأل شاميّ الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال ، كم بين الحقّ والباطل ؟ فقال : أربع أصابع ، فما رأيت بعينك فهو الحقّ ، وقد تسمع بأذنك باطلاً كثيرا .

وقال : كم بين الإيمان واليقين ؟ فقال : أربع أصابع ، الإيمان ما سمعناه ، واليقين ما رأيناه .

وقال : كم بين السماء والأرض ؟ قال : دعوة المظلوم ، ومدّ البصر .

قال : كم بين المشرق والمغرب ؟ قال : مسيرة يوم للشمس(1) .

سنّ عدد التكبيرات في صلاة العيدين

أبو المفضل الشيباني في أماليه ، وابن الوليد في كتابه بالإسناد عن جابر بن عبد اللّه قال : كان الحسن بن علي عليهماالسلام قد ثقل لسانه وأبطأ كلامه ، فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عيد من الأعياد ، وخرج معه الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال النبي صلى الله عليه و آله : اللّه أكبر ، يفتتح الصلاة ، فقال الحسن عليه السلام : اللّه أكبر .

قال : فسرّ بذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فلم يزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله يكبّر ، والحسن عليه السلام معه يكبّر حتى كبّر سبعا ، فوقف الحسن عليه السلام عند السابعة ، فوقف رسول اللّه صلى الله عليه و آله عندها .

ثم قام رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الركعة الثانية ، فكبّر الحسن عليه السلام حتى بلغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خمس تكبيرات ، فوقف الحسن عليه السلام عند الخامسة .

ص: 138


1- الخصال : 441 ، روضة الواعظين : 45 ، الاحتجاج للطبرسي : 1/399 .

فصار ذلك سنّة في تكبير صلاة العيدين .

وفي رواية : أنّه كان الحسين عليه السلام .

سبب الطلق عند النساء

كتاب إبراهيم : قال بعض أصحاب الحسن عليه السلام مرفوعا : الطلق للنساء إنّما يكون سرّة المولود متّصلة بسرّة أمّه ، فتقطع فيؤلمها .

قال ابن حماد :

يا ابن النبيّ المصطفى

وابن الوصيّ المرتضى

يا ابن البتول فاطم ال-

زهراء سيّدة النسا

يا ابن الحطيم وزمزم

وابن المشاعر والصفا

يا ابن السماحة والندى

وابن المكارم والنهى

* * *

وقال ابن المقلد الشيرازي أو شرف الدولة :

سلام على أهل الكساء هداتي

ومن طاب محياي بهم ومماتي

بني البيت والركن المخلق من منى

بني النسك والتقديس والصلوات

بنيالرشد والتوحيد والصدق والهدى

بني البرّ والمعروف والصدقات

ص: 139

بهم محّص الرحمن عظم جرائمي

وضاعف لي في حبّهم حسناتي

ولولاهم لم يزك لي عمل ولا

تقبّل صومي خالقي وصلاتي

محبّتهم لي حجّة وولاهم

ألاقي به الرحمن عند وفاتي

* * *

ص: 140

فصل 4 : في مكارم أخلاقه عليه السلام

اشارة

ص: 141

ص: 142

زهده عليه السلام

اشارة

أمّا زهده :

إستعداده عليه السلام للعبادة

ما جاء في روضة الواعظين عن الفتال : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام كان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله ، واصفرّ لونه ، فقيل له في ذلك .

فقال عليه السلام : حقّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه ، وترتعد مفاصله(1) .

وكان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول : إلهي ضيفك ببابك يا محسن قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك ، يا كريم .

الفائق : إنّ الحسن عليه السلام كان إذا فرغ من الفجر لم يتكلّم حتى تطلع الشمس ، وإن زحزح ، أي وإن أريد تنحيه من ذلك باستنطاق ما يهمّ(2) .

ص: 143


1- جامع الأخبار : 65 فصل : 29 « إنّ علي بن الحسين عليهماالسلام » .
2- الفائق للزمخشري : 2/77 .
حجّه عليه السلام ماشيا وخروجه من ماله

قال الصادق عليه السلام : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام حجّ خمسة وعشرين حجّة ماشيا ، وقاسم اللّه - تعالى - ماله مرّتين(1) .

وفي خبر : قاسم ربّه ثلاث مرات ، وحجّ عشرين حجّة على قدميه(2) .

أبو نعيم في حلية الأولياء بالإسناد عن القاسم بن عبد الرحمن عن محمد بن علي عليهماالسلام : قال الحسن عليه السلام : إنّي لأستحيي من ربّي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته ، فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه(3) .

وفي كتابه بالإسناد عن شهاب بن عامر : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلامقاسم

اللّه - تعالى - ماله مرّتين ، حتى تصدّق بفرد نعله(4) .

وفي كتابه بالإسناد عن أبي نجيح : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام حجّ ماشيا ، وقسم ماله نصفين(5) .

وفي كتابه بالإسناد عن علي بن جدعان قال : خرج الحسن بن علي عليهماالسلام من ماله مرّتين ، وقاسم اللّه ماله ثلاث مرات ، حتى إن كان ليعطى نعلاً ويمسك نعلاً ، ويعطى خفّا ويمسك خفّا(6) .

وروى عبد اللّه بن عمر عن ابن عباس قال : لمّا أصيب معاوية قال : ما آسى على شيء إلاّ على أن أحجّ ماشيا ، ولقد حجّ الحسن بن علي عليهماالسلام

ص: 144


1- طبقات المحدّثين باصبهان لابن حبان : 1/193 ، تاريخ دمشق : 13/243 و244 . .
2- طبقات المحدّثين باصبهان لابن حبان : 1/193 ، تاريخ دمشق : 13/243 و244 . .
3- حلية الأولياء : 2/37 ، ذكر أخبار اصبهان للاصبهاني : 1/44 .
4- حلية الأولياء : 2/37 .
5- حلية الأولياء : 2/37 .
6- حلية الأولياء : 2/37 .

خمسا وعشرين حجّة ماشيا ، وإنّ النجائب لتقاد معه ، وقد قاسم اللّه ماله مرّتين ، حتى إن كان ليعطى النعل ويمسك النعل ، ويعطى الخفّ ويمسك الخفّ(1) .

تعجّب يوسف منه عليهماالسلام

وروي أنّه دخلت عليه امرأة جميلة ، وهو في صلاته ، فأوجز في صلاته ، ثم قال لها : ألك حاجة ؟ قالت : نعم ، قال : وما هي ؟ قالت : قم فأصب منّي ، فإنّي وفدت ولا بعل لي ، قال : إليك عنّي لا تحرقيني بالنار ونفسك .

فجعلت تراوده عن نفسه ، وهو يبكي ويقول : ويحك إليك عنّي ، واشتدّ بكاؤه ، فلمّا رأت ذلك بكت لبكائه .

فدخل الحسين عليه السلام ورآهما يبكيان ، فجلس يبكي ، وجعل أصحابه يأتون ويجلسون ويبكون حتى كثر البكاء ، وعلت الأصوات ، فخرجت الأعرابية ، وقام القوم وترحّلوا .

ولبث الحسين عليه السلام بعد ذلك دهرا لا يسأل أخاه عن ذلك إجلالاً ، فبينما الحسن عليه السلام ذات ليلة نائما إذ استيقظ وهو يبكي ، فقال له الحسين عليه السلام : ما شأنك ؟ قال : رؤيا رأيتها الليلة ، قال : وما هي ؟ قال : لا تخبر أحدا ما دمت حيّا ، قال : نعم .

ص: 145


1- السنن الكبرى للبيهقي : 4/331 .

قال : رأيت يوسف ، فجئت انظر إليه فيمن نظر ، فلمّا رأيت حسنه بكيت ، فنظر إليّ في الناس ، فقال : ما يبكيك يا أخي بأبى أنت وأمّي ؟!

فقلت : ذكرت يوسف وامرأة العزيز ، وما ابتليت به من أمرها ، وما لقيت من السجن ، وحرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وكنت أتعجب منه .

فقال يوسف عليه السلام : فهلاّ تعجّبت ممّا فيه المرأة البدويّة بالأبواء(1)(2) .

إنّ للماء سكانا

عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : دخل الحسن بن علي عليهماالسلام الفرات في بردة كانت عليه .

قال : فقلت له : لو نزعت ثوبك ! فقال لي : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ للماء سكانا(3) .

من شعره عليه السلام

وللحسن بن علي عليهماالسلام :

ذري كدر الأيام إنّ صفاءها

تولّى بأيام السرور الذواهب

وكيف يعزّ الدهر من كان بينه

وبين الليالي محكمات التجارب

* * *

ص: 146


1- صفة الصفوة : 2/82 رقم 160 ، المنتظم : 7/86 ، ذم الهوى : 1/255 .
2- الخبر عامّي ، فتأمّل !
3- المحاسن للبرقي : 2/579 ح 46 ، المغني لابن قدامة : 1/232 .

وله أيضا عليه السلام :

قل للمقيم بغير دار إقامة

حان الرحيل فودّع الأحبابا

إنّ الذين لقيتهم وصحبتهم

صاروا جميعا في القبور ترابا

* * *

وله أيضا عليه السلام :

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها

إنّ المقام بظلّ زائل حمق(1)

* * *

وله أيضا عليه السلام :

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني

وشربة من قراح الماء تكفيني

وطمرة من رقيق الثوب تسترني

حيّا وإن متّ تكفيني لتكفيني

* * *

وقال الكميت :

وفي حسن كانت مصاديق لاسمه

أراب لصدعيها المهيمن مرأب

وحزم وعزم في عفاف وسؤدد

إلى منصب لا مثله كان منصب

* * *

وقال المهذب البصري :

خيرة اللّه في العباد ومن يع-

-ضد ياسين فيهم طاسين

ص: 147


1- اعلام الدين للديلمي : 241 ، مطالب السؤول : 347 ، ربيع الأبرار للزمخشري : 1/71 ، كشف الغمة للأربلي : 2/183 ، إحياء العلوم للغزالي : 3/214 .

والأولى لا تقرّ منهم جنوب

في الدياجي ولا تنام عيون

ولهم في القرآن في غسق الليل

إذا طرب السفيه حنين

وبكاء مل ء العيون غزير

وتكاد الصخور منه تلين

* * *

ص: 148

سخائه عليه السلام

اشارة

ومن سخائه عليه السلام

أعطى المال ودفع كراء الحمّال

ما روي أنّه سأل الحسن بن علي عليهماالسلام رجل ، فأعطاه خمسين ألف دينار ، وقال : إئت بحمّال يحمل لك ، فأتى بحمّال ، فأعطاه طيلسانه ، فقال : هذا كرى الحمال(1) .

أعطى ما في الخزانة قبل أن يسئل

وجاءه بعض الأعراب ، فقال : أعطوه ما في الخزانة ، فوجد فيها عشرون ألف درهم ، فدفعها إلى الأعرابي .

فقال الأعرابي : يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي .

فأنشأ الحسن عليه السلام :

نحن أناس نوالنا خضل

يرتع فيه الرجاء والأمل

تجود قبل السؤال أنفسنا

خوفا على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا

لغاض من بعد فيضه خجل(2)

ص: 149


1- شرح إحقاق الحقّ : 11/139 عن الرسالة القشيرية لعبد الكريم القشيري الشافعي المتوفى سنة 465 : 125 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 708 .
2- يتيمة الدهر : 1/503 .
أكرم عجوزا سقته وأطعمته

أبو جعفر المدائني في حديث طويل : خرج الحسن والحسين عليهماالسلام

وعبد اللّه بن جعفر حجّاجا ، ففاتتهم أثقالهم ، فجاعوا وعطشوا ، فرأوا في بعض الشعوب خباءا رثّا وعجوزا ، فاستسقوها ، فقالت : اطلبوا هذه الشويهة ، ففعلوا ، واستطعموها ، فقالت : ليس إلاّ هي ، فليقم أحدكم فليذبحها حتى أصنع لكم طعاما ، فذبحها أحدهم ، ثم شوت لهم من لحمها ، وأكلوا وقيلوا عندها .

فلمّا نهضوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا انصرفنا وعدنا فالممي بنا ، فإنّا صانعون لك خيرا ، ثم رحلوا .

فلمّا جاء زوجها وعرف الحال أوجعها ضربا .

ثم مضت الأيام ، فأضرّت بها الحال ، فرحلت حتى اجتازت بالمدينة ، فبصر بها الحسن عليه السلام ، فأمر لها بألف شاة وأعطاها ألف دينار ، وبعث معها رسولاً إلى الحسين عليه السلام ، فأعطاها مثل ذلك ، ثم بعثها إلى عبد اللّه بن جعفر ، فأعطاها مثل ذلك(1) .

وهب لرجل ديّته

البخاري : وهب الحسن بن علي عليهماالسلام لرجل ديّته(2) .

ص: 150


1- إحياء العلوم للغزالي : 3/249 .
2- البخاري : 3/137 . وفيه : « دينه » .
سأله رجل أربعمائة درهم فأعطاه أربعة آلاف

وسأله رجل شيئا ، فأمر له بأربعمائة درهم ، فكتب له بأربعمائة دينار ، فقيل له في ذلك، فأخذه وقال: هذا سخاؤه، وكتب عليه بأربعة آلاف درهم.

سأل رجل ربّه عشرة آلاف درهم فدفعها له

وسمع عليه السلام رجلاً إلى جنبه في المسجد الحرام يسأل اللّه أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف إلى بيته وبعث إليه بعشرة آلاف درهم(1) .

إنّما وضع الطعام ليؤكل

ودخل عليه جماعة وهو يأكل ، فسلّموا وقعدوا ، فقال عليه السلام : هلمّوا ، فإنّما وضع الطعام ليؤكل(2) .

شكى له رجل عبدا أبق فدفع له ثمنه

ودخل الغاضري(3) عليه ، فقال : إنّي عصيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : بئس ما عملت ، كيف ؟

ص: 151


1- روضة العقلاء لابن حبان : 1/54 ، ذخائر العقبى للطبري : 137 ، تهذيب الكمال للمزي : 6/234 ، سير أعلام النبلاء : 3/260 ، مطالب السؤول : 344 ، صفة الصفوة : 1/760 ، كشف الغمة للأربلي : 2/181 ، الفصول المهمة لابن الصباغ : 707 .
2- مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : 130 رقم 432 .
3- في المحاضرات : « الغافري » .

قال : قال صلى الله عليه و آله : لا يفلح قوم ملكت عليهم امرأة ، وقد ملكت عليّ امرأتي ، وأمرتني أن أشتري عبدا ، فاشتريته فأبق منّي .

فقال عليه السلام : إختر أحد ثلاثة : إن شئت فثمن عبد ، فقال : ها هنا ، ولا تتجاوز قد اخترت ، فأعطاه ذلك(1) .

ما متّع به أزواجه

فضائل العكبري بالإسناد عن أبي إسحاق : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام تزوّج جعدة بنت الأشعث بن قيس على سنّة النبي صلى الله عليه و آله ، وأرسل إليها ألف دينار .

تفسير الثعلبي ، وحلية أبي نعيم : قال محمد بن سيرين : إنّ الحسن بن علي عليهماالسلام تزوّج امرأة ، فبعث إليها مائة جارية ، مع كلّ جارية ألف درهم(2) .

الحسن بن سعيد عن أبيه قال : كان تحت الحسن بن علي عليهماالسلامامرأتان : تميمية وجعفية ، فطلّقهما جميعا ، وبعثني إليهما وقال : أخبرهما فلتعتدّا ، وأخبرني بما تقولان ، ومتّعهما العشرة الآلاف ، وكلّ واحدة منهما بكذا وكذا من العسل والسمن .

ص: 152


1- محاضرات الأدباء للأصبهاني : 1/683 .
2- تفسير الثعلبي : 3/278 ، حلية الأولياء : 2/38 ، المبسوط للطوسي : 4/272 ، دعائم الإسلام للقاضي النعمان : 2/222 ح 827 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 3/320 رقم 11 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/27 .

فأتيت الجعفية ، فقلت : اعتدّي ، فتنفّست الصعداء ، ثم قالت : متاع قليل من حبيب مفارق .

وأمّا التميمية ، فلم تدر ما اعتدّت حتى قال لها النساء فسكتت .

فأخبرته بقول الجعفية ، فنكت في الأرض ، ثم قال : لو كنت مراجعا لامرأة لراجعتها(1)(2) .

حيّته جارية بطاقة ريحان فأعتقها

وقال أنس : حيّت جارية الحسن بن علي عليهماالسلام بطاقة ريحان ، فقال لها : أنت حرّة لوجه اللّه .

فقلت له في ذلك ، فقال : أدّبنا اللّه - تعالى - فقال « وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها » الآية ، وكان أحسن منها اعتاقها(3) .

* * *

ص: 153


1- هذه الأخبار عامية تفوح منها أنفاس الأمويين النتنة ، وتضرب على وترهم المشؤوم الذي يعزف أنغام الافتراء البائرة التي تحاول أن تصوّر كريم أهل البيت عليهم السلامبهذه الصورة التي لا تنطلي على موالٍ يعرف أسياده الكرام المطهّرين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا . ويبدو أنّ المؤلف رحمه الله نقلها هنا بقصد الإشارة الى جوده وكرمه وسخائه عليه السلام بغضّ النظر عن صحّتها وسقمها أو مؤديات دلالاتها .
2- تاريخ دمشق : 13/249، حلية الأولياء : 2/38، سنن الدارقطني : 4/20 رقم 3928.
3- رويت في جملة من المصادر في مكارم أخلاق الإمام الحسين عليه السلام .
من شعره عليه السلام

وللحسن بن علي عليهماالسلام :

إنّ السخاء على العباد فريضة

للّه يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه

وأعدّ للبخلاء نار جهنم

من كان لا تندى يداه بنائل

للراغبين فليس ذاك بمسلم

* * *

وله أيضا عليه السلام :

خلقت الخلائق من قدرة

فمنهم سخي ومنهم بخيل

فأمّا السخي ففي راحة

وأمّا البخيل فحزن طويل

* * *

ص: 154

همّته عليه السلام

اشارة

ومن همّته عليه السلام

أعطي بارنامجا فدفعه الى خادم خصف نعله

ما روي أنّه قدم الشام - أي عند معاوية - فأحضر بارنامجا(1) بحمل عظيم ووضع قبله ، ثم إنّ الحسن عليه السلام لمّا أراد الخروج خصف خادم نعله ، فأعطاه البارنامج .

ردّ على معاوية عطاءه

وقدم معاوية المدينة ، فجلس في أوّل يوم يجيز من دخل عليه من خمسة آلاف إلى مائة ألف ، فدخل عليه الحسن بن علي عليهماالسلام في آخر الناس ، فقال : أبطأت - يا أبا محمد - فلعلّك أردت تبخّلني عند قريش ، فانتظرت يفنى ما عندنا ، يا غلام اعط الحسن مثل جميع ما أعطينا في يومنا هذا ، يا أبا محمد وأنا ابن هند !

فقال الحسن عليه السلام : لا حاجة لي فيها- يا أبا عبد الرحمن - ورددتها وأنا ابن فاطمة بنت محمد رسول اللّه (2) صلى الله عليه و آله .

ص: 155


1- قال المجلسي رحمه الله في البحار : البارنامج : معرب « بارنامه » : أي تفصيل الأمتعة ، وقال غيره : البارنامج : الورقة الجامعة للحساب .
2- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 132 ، أخبار الدولة العباسية : 59 .

قال المتنبي :

ويعظم في عين الصغير صغيرها

ويصغر في عين العظيم العظائم

* * *

إعطاؤه البغلة لابن أبي عتيق

المبرد في الكامل : قال مروان بن الحكم : إنّي مشغوف ببغلة الحسن بن علي عليهماالسلام ، فقال له ابن أبي عتيق : إن دفعتها إليك تقضي لي ثلاثين حاجة ؟ قال : نعم ، قال : إذا اجتمع الناس فإنّي آخذ في مآثر(1) قريش وأمسك عن مآثر الحسن عليه السلام ، فلمني على ذلك .

ولمّا حضر القوم أخذ في أولية قريش ، فقال مروان : ألا تذكر أولية أبي محمد ، وله في هذا ما ليس لأحد .

قال : إنّما كنّا في ذكر الأشراف ، ولو كنّا في ذكر الأولياء لقدّمنا ذكره .

فلمّا خرج الحسن عليه السلام ليركب تبعه ابن أبي عتيق ، فقال له الحسن عليه السلام وتبسّم : ألك حاجة ؟

قال : نعم ، ركوب البغلة ، فنزل الحسن عليه السلام ودفعها إليه(2) .

« إنّ الكريم إذا خادعته انخدعا(3) »

ص: 156


1- المآثر : جمع مأثرة : المكرمة المتوارثة .
2- الكامل للمبرد : 2/68 .
3- في ابتسام الإمام عليه السلام وسؤاله عن حاجته إشارة واضحة الى أنّه لم ينخدع وقد علم الإمام عليه السلام - وهو العالم - بنيّته ، فشمله بحلمه وكرمه .

حلمه عليه السلام

اشارة

ومن حلمه عليه السلام

حلمه عمّن أساء اليه

ما روى المبرد وابن عائشة : أنّ شاميا رآه راكبا ، فجعل يلعنه والحسن عليه السلام لا يردّ ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه وضحك ، وقال : أيّها الشيخ ، أظنّك غريبا ، ولعلك شبّهت ، فلو استعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، ولو استحملتنا حملناك ، وإن كنت جائعا أشبعناك ، وإن كنت عريانا كسوناك ، وإن كنت محتاجا أغنياك ، وإن كنت طريدا آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حرّكت رحلك إلينا ، وكن ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ، لأنّ لنا موضعا رحبا ، وجاها عريضا ، ومالاً كبيرا .

فلمّا سمع الرجل كلامه بكى ، ثم قال : أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه ، « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ » ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه إليّ ، والآن أنت أحبّ خلق اللّه إليّ .

وحوّل رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن ارتحل ، وصار معتقدا لمحبّتهم(1) .

ص: 157


1- الكامل : 1/325، تاريخ دمشق : 13/247 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : 131.
حلمه عن مروان

المناقب عن أبي إسحاق العدل في خبر : أنّ مروان بن الحكم خطب يوما ، فذكر علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فنال منه والحسن بن علي عليهماالسلام

جالس ، فبلغ ذلك الحسين عليه السلام ، فجاء إلى مروان وقال : يا ابن الزرقاء أنت الواقع في علي عليه السلام ، في كلام له .

ثم دخل على الحسن عليه السلام ، فقال : تسمع هذا يسبّ أباك فلا تقول له شيئا ! فقال : وما عسيت أن أقول لرجل مسلّط يقول ما شاء ويفعل ما شاء(1) .

ص: 158


1- في تفسير فرات : 253 ح 345 : علي بن حمدون معنعنا ، عن أبي الجارية والأصبغ بن نباتة الحنظلي قالا : لمّا كان مروان على المدينة خطب الناس ، فوقع في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : فلمّا نزل عن المنبر أتى الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقيل له: إنّ مروان قد وقع في علي عليه السلام قال: فما كان في المسجد الحسن عليه السلام ؟ قالوا : بلى . قال : فما قال له شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فقام الحسين عليه السلام مغضبا حتى دخل على مروان ، فقال له : يا ابن الزرقاء ، ويا ابن آكلة القمل ، أنت الواقع في علي ؟ قال له مروان : إنّك صبيّ لا عقل لك !! قال : فقال له الحسين عليه السلام : ألا أخبرك بما فيك وفي أصحابك وفي علي عليه السلام ، فإنّ اللّه - تعالى - يقول : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا »فذلك لعلي عليه السلاموشيعته ، « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ » ، فبشّر بذلك النبي صلى الله عليه و آله العربي لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام . لم نعهد في مخاطبات المعصومين عليهم السلام ما نقله المؤلف، فإنّهم « لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » وهم « ذُرِّيَّة بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » يعرف بعضهم مقام الآخر ، وقد روى المؤلف في فصل مكارم أخلاقهما عليهماالسلامعن الباقر عليه السلام قال : ما تكلّم الحسين عليهماالسلام بين يدي الحسن عليه السلامإعظاما له . وما نقلناه عن تفسير فرات لم ينقل فيه ما دار بين الإمامين عليهماالسلام من كلام ، وهو مع ذلك - أي ما نقل في تفسير فرات - أيضا كما هو في المتن ، خبر لا ينتهي إلى معصوم فينبغي التأمّل فيه قبل قبوله ، على الإطلاق ، حيث إنّه يتضمّن تعارض مواقف الإمامين ، للتصريح بهما ، أجل ، ربما جرى كلّ ذلك مع سيّد الشهداء عليه السلام من دون أن يكون سيّد شباب أهل الجنّة الحسن المجتبى عليه السلام موجودا ، واللّه العالم .
لم يسمع قطّ منه كلمة فيها مكروه إلاّ مرّة

وروي أنّ الحسن عليه السلام لم يسمع قطّ منه كلمة فيها مكروه إلاّ مرّة واحدة ، فإنّه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في أرض ، فقال له الحسن عليه السلام : ليس لعمرو عندنا إلاّ ما يرغم أنفه(1)(2) !

قال الجماني :

تراث لهم من آدم ومحمد

إلى الثقلين من وصيّ ومصحف

فجازوا أباهم عنهم كيف شئتم

تلافوالديه النصف من خيرمنصف

ص: 159


1- شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/188 ح 1063 .
2- لا ندري ماذا يقصد الراوي بكلمة « مكروه » التي لم تسمع من أبي محمد الحسن عليه السلام إلاّ مرّة واحدة ، فإنّه إمام معصوم لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، وقد سمعنا الإمام عليه السلام فيما مضى من هذا الكتاب وفي غيره كلاما قوّيا أدّب فيه معاوية وأذلّه ، وأهانه وفضحه ، وكذا فعل مع ابن العاص ومروان وغيرهما .

وقال العوني :

قوم هم حجج اللّه الجليل وهم

فلك النجاة لمن والاهم وصلوا

قوم محبّتهم فرض وبغضهم

كفر لام الذي يشناهم(1) الهبل(2)

ولو بهم قيست الدنيا وزينتهابمثلها عدد ما مثلهم عدلوا

أخلص محبّة أهل البيت إنّ بهميوم القيامة تخلص أيّها الرجل

* * *

ص: 160


1- شنأه : أبغضه وتجنّبه .
2- الهبل : هبلت فلانا أمّه : ثكلته .

فصل 5 : في سيادته عليه السلام

اشارة

ص: 161

ص: 162

سيّد شباب أهل الجنّة

جابر الأنصاري قال النبي صلى الله عليه و آله : من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن بن علي(1) عليهماالسلام .

سيّد يصلح اللّه به بين فئتين

وفي حديث عبد اللّه بن بريدة عن ابن عباس قال : انطلقنا مع النبي صلى الله عليه و آله ، فنادى على باب فاطمة عليهاالسلام ثلاثا ، فلم يجبه أحد ، فمال إلى

حائط فقعد فيه ، وقعدت إلى جانبه .

فبينا هو كذلك ، إذ خرج الحسن عليه السلام ، وقد غسل وجهه وعلّقت عليه سبحة .

قال : فبسط النبي صلى الله عليه و آله يده ومدّها ، ثم ضمّ الحسن عليه السلام إلى صدره وقبّله وقال : إنّ ابني هذا سيّد لعلّ اللّه يصلح به بين فئتين من المسلمين(2) .

ص: 163


1- اعلام الورى : 1/411 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 47 ، تاريخ دمشق : 13/209 .
2- اعلام الورى : 1/412 . لم نجد الخبر المذكور في المتن في طرق الإمامية ، ولا شكّ في صدر الخبر « إنّ ابني هذا سيّد » ، ولكن يبقى الكلام في التعبير عن الفئتين ب- « المسلمين » ، فقد روى الطَّبْرِسِيُّ فِي الإحتجاج : 2/296 : عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ : أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ عليه السلام : هَلْ بَلَغَكَ مَا صَنَعْنَا بِحُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ شِيعَةِ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ عليه السلام : وَمَا صَنَعْتَ بِهِمْ ؟ قَالَ : قَتَلْنَاهُمْ وَكَفَّنَّاهُمْ وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِمْ . فَضَحِكَ الْحُسَيْنُ عليه السلام فَقَالَ : خَصَمَكَ الْقَوْمُ يَا مُعَاوِيَةُ ، لَكِنَّا لَوْ قَتَلْنَا شِيعَتَكَ مَا كَفَّنَّاهُمْ وَلاَ صَلَّيْنَا عَلَيْهِمْ وَلاَ قَبَرْنَاهُمْ .

المحاضرات عن الراغب ، روى أبو هريرة وبريدة : رأيت النبي صلى الله عليه و آله يخطب على المنبر ينظر إلى الناس مرّة ، والى الحسن عليه السلام مرّة ، وقال : إنّ ابني هذا سيصلح اللّه به فئتين من المسلمين(1) .

ورواه البخاري ، والخطيب ، والخركوشي ، والسمعاني .

شبهه عليه السلام بالنبي صلى الله عليه و آله

وروى البخاري ، والموصلي ، وأبو السعادات ، والسمعاني ، قال إسماعيل بن خالد لأبي جحيفة : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ قال : نعم ، وكان الحسن عليه السلام يشبهه(2) .

ص: 164


1- محاضرات الأدباء للراغب : 2/497 ، مسند أحمد : 5/38 ، البخاري : 3/170 « كتاب الصلح » ومواضع أخرى ، سنن الترمذي : 5/323 ، سنن النسائي : 3/107 ، المستدرك للحاكم : 3/175 ، السنن الكبرى للبيهقي : 6/165 و8/173 ، المعجم الصغير للطبراني : 1/271 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/35 . . .
2- البخاري : 4/164 « باب صفة النبي صلى الله عليه و آله » ، المعجم الكبير للطبراني : 22/128 ، تاريخ دمشق : 13/183 ، مسند أحمد : 2/342 ، مسلم : 7/85 ، سنن الترمذي : 4/210 باب 93 رقم 2984 ، فضائل الصحابة للنسائي : 19 ، المستدرك للحاكم : 3/168 ، مسند الحميدي : 2/395 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 1/298 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/48 ، مسند أبي يعلى : 2/187 رقم 885 ، الذرية الطاهرة للدولابي : 103 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/24 . . .

أبو هريرة قال : دخل الحسن بن علي عليهماالسلام وهو مغتمّ ، فظننت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد بعث .

الغزالي والمكي ، في الإحياء ، وقوت القلوب : قال النبي صلى الله عليه و آله للحسن

عليه السلام : أشبهت خلقي وخلقي(1) .

قال البختري :

وشبيه النبي خلقا وخلقا

ونسيب النبي جدّا فجدّا

* * *

وقال ابن حماد :

إمام ابن الإمام أخو إمام

تخطفه الردا وإليه أمّا

شبيه محمد خلقا وخلقا

وحيدرة الرضى فهما وعلما

* * *

مقارنة بينه وبين أخيه محمد في الجمل

ودعا أمير المؤمنين عليه السلام محمد بن الحنفية يوم الجمل ، فأعطاه رمحه وقال له : اقصد بهذا الرمح قصد الجمل ، فذهب فمنعوه بنو ضبّة .

ص: 165


1- قوت القلوب : 2/220 ، إحياء العلوم للغزالي : 2/30 « الباب الأول في الترغيب في النكاح » ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 1/497 ح 409 .

فلمّا رجع إلى والده انتزع الحسن عليه السلام رمحه من يده وقصد قصد الجمل وطعنه برمحه ، ورجع إلى والده عليه السلام ، وعلى رمحه أثر الدم .

فتمعّر(1) وجه محمد من ذلك ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تأنف ، فإنّه ابن النبي صلى الله عليه و آله ، وأنت ابن علي عليه السلام .

أبي خير من أمّي

وطاف الحسن بن علي عليهماالسلام بالبيت ، فسمع رجلاً يقول : هذا ابن فاطمة الزهراء عليهاالسلام .

فالتفت إليه ، فقال : قل : علي بن أبي طالب ، فأبي خير من أمّي .

مفاخرة قريش عند معاوية

وتفاخرت قريش والحسن بن علي عليهماالسلام حاضر لا ينطق ، فقال معاوية : يا أبا محمد ، ما لك لا تنطق ؟ فواللّه ما أنت بمشوب الحسب ولا بكليل اللسان .

قال الحسن عليه السلام : ما ذكروا فضيلة إلاّ ولي محضها ولبابها ، ثم قال :

فيم الكلام وقد سبقت مبرّزا

سبق الجواد من المدى المتنفّس(2)

* * *

ص: 166


1- تمعّر وجهه : تغيّر وعلته صفرة .
2- ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من طبقات ابن سعد : 66 ، تاريخ دمشق : 13/245 .

مفاخرته مع معاوية

أخبار ابن أبي حاتم : أنّ معاوية فخر يوما ، فقال : أنا ابن بطحاء مكة ، أنا ابن أعززها جودا ، وأكرمها جدودا ، أنا ابن من ساد قريشا فضلاً ناشئا وكهلاً .

فقال الحسن بن علي عليهماالسلام : أعليّ تفخر يا معاوية ! أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفائق ، أنا ابن من طاعته طاعة اللّه ومعصيته معصية اللّه ، فهل لك أب كأبي تباهيني به ؟ وقديم كقديمي تساميني به ؟ تقول : نعم أو لا ؟

قال معاوية : بل أقول : لا ، وهي لك تصديق .

فقال الحسن عليه السلام :

الحقّ أبلج ما يحيل سبيله

والحقّ يعرفه ذوو الألباب(1)

* * *

مفاخرة أخرى بينهما

وقال معاوية للحسن بن علي عليه السلام : أنا أخير منك يا حسن !! قال : وكيف ذاك يا ابن هند ؟

قال : لأنّ الناس قد أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك .

ص: 167


1- نزهة الناظر للحلواني : 76 ، كشف الغمة للأربلي : 2/197 .

قال : هيهات هيهات ، لشرّ ما علوت يا ابن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص للّه ، والمكروه معذور بكتاب اللّه ، وحاشى للّه أن أقول : أنا خير منك ، فلا خير فيك ، ولكن اللّه برّأني من الرذائل كما برأك من الفضائل .

قال الحميري :

مجبر قال لدينا عدد

وجميع من جماهير البشر

قلت ذمّ اللّه ربّي جمعكم

وبه تنطق آيات الزبر

من زها سبعين ألف برّة

وسواها في عذاب وسعر

* * *

لماذا يبغض يزيد الحسن عليه السلام

كتاب الشيرازي : روى سفيان الثوري عن واصل عن الحسن عن ابن عباس في قوله : « وَشارِكْهُمْ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ » أنّه جلس الحسن بن علي عليهماالسلام ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان يأكلان من الرطب ، فقال يزيد : يا حسن ، إنّي منذ كنت أبغضك !

قال الحسن عليه السلام : إعلم - يا يزيد - أنّ إبليس شارك أباك في جماعه ، فاختلط الماءان ، فأورثك ذلك عداوتي ، لأنّ اللّه - تعالى - يقول : « وَشارِكْهُمْ فِي الأَْمْوالِ وَالأَْوْلادِ » ، وشارك الشيطان حربا عند جماعه ، فولد له صخر ، فلذلك كان يبغض جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

ص: 168

قال ابن حماد :

كم بين مولود أبوه وأمّه

قد شاركا في حمله الشيطانا

ومطهّر لم يجعل الرحمن

للشيطان في شرك به سلطانا

* * *

زياد ينسب الحسن عليه السلام لأمّه ومعاوية يوبخه

وهرب سعيد بن سرح من زياد إلى الحسن بن علي عليه السلام ، فكتب الحسن عليه السلام إليه يشفع فيه ، فكتب زياد :

من زياد بن سفيان !! إلى الحسن بن فاطمة ، أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة وأنا سلطان ، وأنت سوقة(1) !! وذكر نحوا من ذلك .

فلمّا قرأ الحسن عليه السلام الكتاب تبسّم ، وأنفذ بالكتاب إلى معاوية ، فكتب معاوية إلى زياد يؤنّبه ويأمره أن يخلّي عن أخي سعيد وولده وامرأته ، وردّ ماله ، وبناء ما قد هدمه من داره ، ثم قال : وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم أمّه ، لا تنسبه إلى أبيه ، وأمّه بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وذلك أفخر له إن كنت تعقل(2) .

ص: 169


1- السوقة : الرعيّة من الناس ومن ليس له سلطان .
2- تاريخ دمشق : 19/198 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 16/194 ، وفيات الأعيان : 6/361 ، الإيضاح : 550 .

دعاه الفقراء على كسيرات فأجاب

كتاب الفنون عن أحمد بن المؤدب ، ونزهة الأبصار عن ابن مهدي : أنّه مرّ الحسن بن علي عليهماالسلام على فقراء ، وقد وضعوا كسيرات على الأرض ، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها ، فقالوا له : هلمّ يا ابن بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الغداء .

قال : فنزل وقال إنّ اللّه « لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ » ، وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا ، والزاد على حاله ببركته ، ثم دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم .

الحسن عليه السلام يوبخ معاوية

وذكروا : أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام دخل على معاوية يوما ، فجلس عند رجله وهو مضطجع ، فقال له : يا أبا محمد ، ألا أعجبك من عائشة تزعم أنّي لست للخلافة أهلاً .

فقال الحسن عليه السلام : وأعجب من هذا جلوسي عند رجلك وأنت نائم .

فاستحيى معاوية واستوى قاعدا واستعذره .

جوابه على كلام معاوية ومروان

وفي العقد : أنّ مروان بن الحكم قال للحسن بن علي عليهماالسلام بين يدي معاوية : أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن ، ويقال : إنّ ذلك من الخرق !

ص: 170

فقال عليه السلام : ليس كما بلغك ، ولكنّا معشر بني هاشم طيّبة أفواهنا ، عذبة شفاهنا ، فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن ، وأنتم معشر بني أميّة فيكم بخر(1) شديد ، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم ، فإنّما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك .

قال مروان : أما أنّ فيكم - يا بني هاشم - خصلة سوء ، قال : وما هي ؟ قال : الغلمة(2) .

قال : أجل نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا ، ونزعت الغلمة من رجالكم ، ووضعت في نسائكم ، فما قام لأمويّة إلاّ هاشمي .

ثم خرج يقول :

ومارست هذا الدهر خمسين حجّة

وخمسا أرجّي قابلاً بعد قابل

فما أنا في الدنيا بلغت جسيمها

ولا في الذي أهوى كدحت بطائل

وقد أشرعتني في المنايا أكفّها

وأيقنت أنّي رهن موت معاجل(3)

* * *

توبيخه عليه السلام لحبيب الفهري

وقال الحسن بن علي عليهماالسلام لحبيب بن مسلمة الفهري : ربّ مسير لك في غير طاعة ، قال : أمّا مسيري إلى أبيك فلا !

ص: 171


1- البخر : رائحة الفم الفاسدة .
2- الغلمة : شدّة الشهوة .
3- العقد الفريد : 4/19 ، فيات الأعيان : 2/68 .

قال عليه السلام : بلى ، ولكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلة ، ولئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك ، فلو كنت إذ فعلت شرّا قلت خيرا كنت كما قال اللّه - عزّ وجلّ - : « خَلَطُوا عَمَلاً صالِحا وَآخَرَ سَيِّئا » ، ولكنّك كما قال : « بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ »(1) .

مجنون يستدلّ بالقرآن على أفضلية الحسن عليه السلام

وقيل لمجنون : الحسن عليه السلام كان أفضل أم الحسين عليه السلام ؟

فقال : الحسن عليه السلام لقوله « رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » ، ولم يقل حسينة .

قال المرتضى :

وعهدت منك ولاية لمعاشر

لهم المعاد وحكمه والمحشر

قوم لمن شاؤوا هنالك قدّموا

في الفائزين ومن أشاؤا أخّروا

وبحبّهم من في الجنان مخلد

ولأجلهم سقي الظماء الكوثر

* * *

ص: 172


1- أحكام القرآن للجصاص : 3/189 ، تاريخ دمشق : 12/78 ، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام من طبقات ابن سعد : 67 .

فصل 6 : في محبّة النبي صلى الله عليه و آله إياه عليه السلام

اشارة

ص: 173

ص: 174

النبي صلى الله عليه و آله يصلّي والحسن عليه السلام يصعد على ظهره

روى أبو علي الجبائي في مسند أبى بكر بن أبي شيبة عن ابن مسعود .

وروى عبد اللّه بن شداد عن أبيه ، وأبو يعلى الموصلي في المسند عن ثابت البناني عن أنس ، وعبد اللّه بن شيبة عن أبيه :

أنّه دعي النبي صلى الله عليه و آله إلى صلاة والحسن متعلّق به ، فوضعه النبي صلى الله عليه و آله مقابل جنبه وصلّى ، فلمّا سجد أطال السجود ، فرفعت رأسي من بين القوم ، فإذا الحسن عليه السلام على كتف رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فلمّا سلّم قال له القوم : يا رسول اللّه ، لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها ، كأنّما يوحى إليك !

فقال : لم يوح إليّ ، ولكن ابني كان على كتفي ، فكرهت أن أعجله حتى نزل .

وفي رواية عبد اللّه بن شداد : أنّه صلى الله عليه و آله قال : إنّ ابني هذا ارتحلني ، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته(1) .

ص: 175


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/514 رقم 17 ، المستدرك للحاكم : 3/166 ، السنن الكبرى للبيهقي : 2/263 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 2/187 ، المعجم الكبير للطبراني : 7/271 ، تاريخ دمشق : 14/160 ، مسند أحمد : 3/494 ، سنن النسائي : 2/230 ، مسند أبي يعلى : 6/149 .

الحلية بالإسناد عن أبي بكرة قال : كان النبي صلى الله عليه و آله يصلّي بنا ، وهو ساجد ، فيجيء الحسن عليه السلام - وهو صبي صغير - حتى يصير على ظهره أو رقبته ، فيرفعه رفعا رفيقا .

فلمّا صلّى صلاته قالوا : يا رسول اللّه إنّك لتصنع بهذا الصبي شيئا لم تصنعه بأحد ! فقال : إنّ هذا ريحانتي(1) . . الخبر .

اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه

وفيها عن أبي هريرة قال : ما رأيت الحسن عليه السلام قطّ إلاّ فاضت عيناي دموعا(2) ، وذلك أنّه أتى يوما يشتدّ حتى قعد في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فجعل يقول بيده هكذا في لحية رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، يفتح فمه ثم يدخل فيه ويقول : اللّهم إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، يقولها ثلاث مرات(3) .

وفيها عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله واضعا للحسن على عاتقه ، فقال : من أحبّني فليحبّه(4) .

سنن ابن ماجة ، وفضائل أحمد : روى نافع عن ابن جبير عن أبي هريرة : أنّه صلى الله عليه و آله قال : اللّهم إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، قال : وضمّه إلى صدره(5) .

ص: 176


1- حلية الأولياء : 2/35 .
2- مسند أحمد : 2/532 .
3- حلية الأولياء : 2/35 ، تاريخ دمشق : 13/193 .
4- مسند أبي داود : 99 ، حلية الأولياء : 2/35 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/766 رقم 1353 .
5- سنن ابن ماجة : 1/51 رقم 142 ، فضائل الصحابة لأحمد : 2/766 رقم 1349 .

مسند أحمد عن أبي هريرة : قال النبي صلى الله عليه و آله وقد جاءه الحسن عليه السلام ، وفي عنقه السخاب(1) ، فالتزمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، والتزم هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقال : إنّي أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه ، ثلاث مرات(2) .

أخرجه ابن بطّة بروايات كثيرة .

تقبيل النبي صلى الله عليه و آله إياه

عبد الرحمن بن أبي ليلى : كنّا عند النبي صلى الله عليه و آله ، فجاء الحسن عليه السلام فأقبل يتمرّغ عليه ، فرفع قميصه وقبّل زبيبه(3)(4) .

ص: 177


1- السخاب : القلادة ، وقيل : القلادة من قرنفل ، ليس فيها من الؤلؤ والجوهر شيء .
2- مسند أحمد : 2/331 ، البخاري : 7/55 ، تاريخ دمشق : 13/191 .
3- الزُّبْية : حُفْرة يَستتر فيها الصائد ، والزُّبْية : حَفِيرة يُشْتَوىَ فيها ويُخْتَبَزُ ، وزَبَّى اللحمَ وغيره : طَرَحه فيها ، والزُّبْية : بئر أَو حُفْرة تُحْفَر للأَسد ، والزُّبْيةُ أَيضا : حُفْرة النمل ، فالزُّبْيةِ هي الحُفْرة ، فربما كان المراد من « زبيبه » أو « زبيبته » كما في بعض النسخ « سرّته » ، كما سيأتي بعد سطور في خبر أبي هريرة الذي رواه المؤلف عن مسند العشرة ، وإبانة العكبري ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، وفضائل السمعاني ، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض ، عن عمير بن إسحاق قال : رأيت أبا هريرة في طريق قال للحسن بن علي عليه السلام : أرني الموضع الذي قبّله النبي صلى الله عليه و آله ، قال : فكشف عن بطنه فقبّل سرّته . والزُّبُّ الأَنْف، بلغة أَهل اليمن ، والزُّبُّ: اللِّحْيَةُ ، يَمانِيَّةٌ ، وقيل : هو مُقَدَّم اللِّحْية ، والزبّ بالضمّ : الذكر ، وهو خاص بالإنسان ، والزَّبِيبةُ : قُرْحَةٌ تَخرُج في اليَد ، وقد زَبَّبَ شِدْقاه : اجْتَمَعَ الرِّيقُ في صامِغَيْهِما ، وزَبَّبَ فَمُ الرَّجُلِ عند الغَيْظِ إِذا رأَيتَ له زَبِيبَتَيْنِ في جَنْبَيْ فيهِ ، عند مُلْتَقَى شَفَتَيْه ممّا يلي اللسان ، يعني ريقا يابسا ، قال ابن الأَثير : الزَّبِيبَةُ نُكْتَةٌ سَوْداءُ فوق عَيْنِ الحيَّةِ ، وهما نُقْطَتانِ تَكْتَنِفانِ فاها .
4- السنن الكبرى للبيهقي : 1/137 .

وعن أبي قتادة : أنّ النبي صلى الله عليه و آله قبّل الحسن وهو يصلّي .

الخدري : أنّ الحسن عليه السلام جاء والنبي صلى الله عليه و آله يصلّي ، فأخذ بعنقه وهو جالس ، فقام النبي صلى الله عليه و آله وإنّه ليمسك بيديه حتى ركع .

فضائل عبد الملك : قال أبو هريرة : كان النبي صلى الله عليه و آله يقبّل الحسن عليه السلام ، فقال الأقرع بن حابس : إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت أحدا منهم ، فقال صلى الله عليه و آله : من لا يرحم لا يرحم(1) .

مسند العشرة ، وإبانة العكبري ، وشرف النبي صلى الله عليه و آله ، وفضائل السمعاني ، وقد تداخلت الروايات بعضها في بعض ، عن عمير بن إسحاق قال : رأيت أبا هريرة في طريق قال للحسن بن علي عليه السلام : أرني الموضع الذي قبّله النبي صلى الله عليه و آله ، قال : فكشف عن بطنه فقبّل سرّته(2) .

أجرى النبي صلى الله عليه و آله له مراسيم الولادة

الواعظ في شرف النبي صلى الله عليه و آله ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، وجماعة من أصحابنا في كتبهم عن هاني بن هاني عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن علي بن الحسين عليهماالسلام ، وعن أسماء بنت عميس ، واللّفظ لها ، قالت :

ص: 178


1- مسند أحمد : 2/241 ، البخاري : 7/75 « كتاب الأدب » ، مسلم : 7/77 ، سنن أبي داود : 2/522 ، سنن الترمذي : 3/212 ، السنن الكبرى للبيهقي : 7/100 ، المصنف للصنعاني : 11/298، الأدب المفرد للبخاري : 32 باب 50 رقم 91، ابن حبان : 2/202.
2- ابن حبان : 15/420 ، تاريخ دمشق : 13/220 ، مسند أحمد : 2/427 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/31 رقم 2580 .

لمّا ولدت فاطمة الحسن عليهماالسلام جاءني النبي صلى الله عليه و آله ، فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها وقال : يا أسماء ، ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقة صفراء .

فلففته في خرقة بيضاء ودفعته إليه ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ثم قال لعلي عليه السلام : أيّ شيء سمّيت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول اللّه ، وقد كنت أحبّ أن أسمّيه حربا(1) !

فقال : أنا لا أسبق باسمه ربّي .

ثم هبط جبرئيل عليه السلام فقال : السلام عليك يا محمد ، العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول : علي منك بمنزلة هارون من موسى ، ولا نبي بعدك ، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون ، قال : وما اسم ابن هارون يا جبرئيل ؟ قال : شبر .

قال : لساني عربي ، قال : سمّه « الحسن » ، فسمّاه الحسن .

فلمّا كان يوم سابعه عقّ عنه بكبشين أملحين ، وأعطى القابلة فخذا ، وحلق رأسه ، وتصدّق بوزن الشعر ورقا ، وطلى رأسه بالخلوق ، ثم قال : يا أسماء الدم فعل الجاهلية .

قالت : فلمّا ولد الحسين فعل مثل ذلك(2) .

ص: 179


1- لا توجد هذه العبارة : « كنت أحبّ أن أسمّيه حربا » في أمالي الصدوق : 134 مج 28 ح 3 وأمالي الطوسي : 367 مج 13 ، ح 781 وعلل الشرائع : 1/137 باب 116 ح 5 و1/138 باب 116 ح 7 ومعاني الأخبار : 57 ح 6 .
2- مسند زيد : 446 ، روضة الواعظين : 154 .

الباقر عليه السلام : فوزنه ، فكان وزنه درهما ونصفا ، يعني شعر الحسن(1) عليه السلام

وقت الولادة(2) .

شرّفهما بما شرّفهما به اللّه

أبو هريرة ، وابن عباس ، والصادق عليه السلام : إنّ فاطمة عليهاالسلام عادت رسول اللّه صلى الله عليه و آله عند مرضه الذي عوفي منه ، ومعها الحسن والحسين عليهماالسلام ، فأقبلا يغمزان ممّا يليهما من يد رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتى اضطجعا على عضديه وناما .

فلمّا انتبها خرجا في ليلة ظلماء مدلهمّة(3) ذات رعد وبرق ، وقد أرخت السماء عزاليها ، فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور ويتحدّثان حتى أتيا حديقة بني النجار ، فاضطجعا وناما .

فانتبه النبي صلى الله عليه و آله من نومه وطلبهما في منزل فاطمة عليهاالسلام ، فلم يكونا فيه ، فقام على رجليه وهو يقول :

إلهي وسيّدي ومولاي ، هذان شبلاي خرجا من المخمصة والمجاعة ، اللّهم أنت وكيلي عليهما ، اللّهم إن كانا أخذا برّا أو بحرا ، فاحفظهما وسلّمهما .

ص: 180


1- في المتن : « الحسين عليه السلام » وما أثبتناه من المصادر .
2- السنن الكبرى للبيهقي : 9/304 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 5/529 رقم 4 ، سنن الترمذي : 3/37 باب-18 رقم 1556 ، المستدرك للحاكم : 4/237 .
3- ادلهم الليل : اشتدّ سواده .

فنزل جبرئيل عليه السلام وقال : إنّ اللّه يقرؤك السلام ويقول لك : لا تحزن ولا تغتمّ لهما ، فإنّهما فاضلان في الدنيا والآخرة ، وأبوهما أفضل منهما ، هما نائمان في حديقة بني النجار ، وقد وكّل اللّه بهما ملكا .

فسطع للنبي صلى الله عليه و آله نور ، فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقة بنى النجار ، فإذا هما نائمان ، والحسن عليه السلام معانق الحسين عليهماالسلام ، وقد تقشّعت السماء فوقهما كطبق ، وهي تمطر كأشدّ مطر ، وقد منع اللّه المطر منهما ، وقد اكتنفتهما حيّة لها شعرات - كآجام(1) القصب - وجناحان : جناح قد غطّت

به الحسن عليه السلام ، وجناح قد غطّت به الحسين ، فانسابت الحيّة ، وهي تقول : اللّهم إنّي أشهدك وأشهد ملائكتك ، أنّ هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه ، ودفعتهما إليه سالمين صحيحين .

فمكث النبي صلى الله عليه و آله يقبّلهما حتى انتبها ، فلمّا استيقظا حمل النبي صلى الله عليه و آله

الحسن عليه السلام ، وحمل جبرئيل الحسين عليه السلام ، فقال أبو بكر : ادفعهما الينا فقد أثقلاك ، فقال : أمّا أحدهما على جناح جبرئيل عليه السلام ، والآخر على جناح ميكائيل عليه السلام .

فقال عمر : ادفع إليّ أحدهما أخفّف عنك ، فقال : امض ، فقد سمع اللّه كلامك ، وعرف مقامك .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ادفع إليّ أحد شبلي وشبليك ، فالتفت إلى الحسن عليه السلام فقال : يا حسن ، هل تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال : واللّه يا جدّاه إنّ كتفك أحبّ إليّ من كتف أبي .

ص: 181


1- الآجام : جمع أجمة : الشجر الكثير الملتف .

ثم التفت إلى الحسين عليه السلام فقال : يا حسين ، تمضي إلى كتف أبيك ؟ فقال : أنا أقول كما قال أخي ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : نعم المطيّة مطيّتكما ، ونعم الراكبان أنتما(1) .

فلمّا أتى المسجد قال : واللّه - يا حبيبيّ - لأشرّفنكما بما شرّفكما اللّه ، ثم أمر مناديا ينادي في المدينة ، فاجتمع الناس في المسجد .

فقام وقال : يا معشر الناس ، ألا أدلّكم على خير الناس جدّا وجدّة ؟ قالوا : بلى يا رسول اللّه .

قال : الحسن والحسين عليهماالسلام ، فإنّ جدّهما محمد صلى الله عليه و آله ، وجدّتهما خديجة عليهاالسلام .

ثم قال : يا معشر الناس ، ألا أدلّكم على خير الناس أمّا وأبا ؟ وهكذا عمّا وعمّة ، وخالاً وخالة(2) .

وقد روى الخركوشي في شرف النبي صلى الله عليه و آله عن هارون الرشيد عن آبائه عن ابن عباس هذا المعنى(3) ، فنظمه الصقر البصري :

هذا ابن خلاد روى عن شيخه

أعني به أبا سويد الدارعا

ممّا روى المأمون أنّ رشيدهم

يروي عن الهادي حديثا شائعا

ممّا روى المهدي عن منصورهم

عن ابن عباس الأديب البارعا

ص: 182


1- أمالي الصدوق : 528 مج 67 ح 717 ، روضة الواعظين : 159 .
2- أمالي الصدوق : 522 مج 67 ح 709 ، روضة الواعظين : 122 ، بشارة المصطفى : 268 ، المناقب للخوارزمي : 288 فصل 19 .
3- شرف النبي صلى الله عليه و آله للخركوشي : 263 .

حتى اجتمعنا عند أكرم مرسل

يوما وكان الوقت وقتا جامعا

فأتته فاطمة البتول وعينها

من حرقة تنهلّ دمعا هامعا(1)

فارتاع والدها لفرط بكائها

لمّا استبان الأمر منها رائعا

فبكى وقال فداك أحمد ما الذي

يبكيك ما ألقاك ربّك فاجعا

قالت فقدت ابنيّ يا أبتا وقد

صادفت فقدهما لقلبي صادعا

فشجاه ما ذكرت فأقبل ساعة

متململاً يدعو المهيمن ضارعا

فإذا المطوّف جبرئيل مناديا

ببشارة من ذي الجلال مسارعا

اللّه يقرؤك السلام بجوده

ويقول لا تك يا حبيبي جازعا

أدركهما بحديقة النجار قد

لعبا وقد نعسا بها وتضاجعا

أرسلت من خدم الكرام اليهما

ملكا شفيقا للمكاره دافعا

غطّاهما منه جناحا وانثنى

بالرفق فوقهما وآخر واضعا

فأتاهما خير البريّة فاغتدى

بهما على كتفيه جهرا رافعا

فأتاه ذو ملق ليحمل واحدا

عنه فقال له وراءك راجعا

نعم المطيّ مطيّة حملتهما

منّي ونعم الراكبان هما معا

وأبوهما خير وأفضل منهما

شرفا لعمرك في المزيّة شافعا

* * *

ص: 183


1- الهمعان : السيلان .

ص: 184

فصل 7 : في تواريخه وأحواله عليه السلام

اشارة

ص: 185

ص: 186

تاريخ ولادته ومدّة عمره عليه السلام

ولد الحسن عليه السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان ، عام أحد ، سنة ثلاث من الهجرة .

وقيل : سنة إثنين .

وجاءت فاطمة عليهاالسلام إلى النبي صلى الله عليه و آله يوم السابع من مولده في خرقة من

حرير الجنّة ، وكان جبرئيل عليه السلام نزل بها إلى النبي صلى الله عليه و آله ، فسمّاه « حسنا » ، وعقّ عنه كبشا(1) .

فعاش مع جدّه سبع سنين وأشهرا .

وقيل : ثمان سنين .

ومع أبيه ثلاثين سنة ، وبعده تسع سنين .

وقالوا : عشر سنين(2) .

حليته عليه السلام وأصحابه

وكان ربع القامة ، وله محاسن كثّة .

وأصحابه أصحاب أبيه .

ص: 187


1- روضة الواعظين : 153 ، تاج المواليد للطبرسي : 24 ، الإرشاد للمفيد : 2/5 .
2- تاج المواليد للطبرسي : 25 ، دلائل الإمامة : 159 .

نوّابه

ونوّابه : قيس بن ورقاء المعروف ب-« سفينة(1) » ، ورشيد الهجري .

ويقال : وميثم الثمار .

بيعته وأيام خلافته عليه السلام

وبويع بعد أبيه ، يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان في سنة أربعين(2) .

وكان أمير جيشه : عبيد اللّه بن العباس ، ثم قيس بن[ سعد بن ]عبادة(3).

وكان عمره لمّا بويع سبعا وثلاثين سنة .

فبقي في خلافته أربعة أشهر وثلاثة أيام ، ووقع الصلح بينه وبين معاوية في سنة إحدى وأربعين(4) .

وخرج الحسن عليه السلام إلى المدينة ، فأقام بها عشر سنين(5) .

أسماؤه عليه السلام

وسمّاه اللّه - تعالى - الحسن .

وسمّاه في التوراة شبرا .

ص: 188


1- دلائل الإمامة : 163 ، تاريخ مواليد الأئمة : 32 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/9 .
3- مقاتل الطالبيين : 40 ، الإرشاد للمفيد : 2/132 ، المصنف للصنعاني : 5/461 .
4- اعلام الورى : 1/403 .
5- اعلام الورى : 1/402 .

كنيته عليه السلام

وكنيته : أبو محمد ، وأبو القاسم .

ألقابه عليه السلام

وألقابه : السيّد ، والسبط ، والأمير ، والحجّة ، والبرّ ، والتقي ، والأثير ،

والزكي ، والمجتبى ، والسبط الأوّل ، والزاهد .

أمّه عليهماالسلام

وأمّه : فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

شهادته عليه السلام ومدّة إمامته

وظلّ مظلوما ، ومات مسموما ، وقبض بالمدينة بعد مضي عشر سنين من ملك معاوية ، فكان في سنيّ إمامته أوّل ملك معاوية .

فمرض أربعين يوما ، ومضى لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة .

وقيل : سنة تسع وأربعين(1) .

وعمره : سبعة وأربعون سنة وأشهر .

وقيل : ثمان وأربعون .

ص: 189


1- اعلام الورى : 1/403 .

وقيل : في سنة تمام خمسين من الهجرة .

وكان بذل معاوية لجعدة بنت محمد الأشعث الكندي - وهي ابنة أمّ فروة أخت أبي بكر بن أبي قحافة - عشرة آلاف دينار ، وإقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء وسواد الكوفة ، على أن تسمّ الحسن عليه السلام .

تجهيزه عليه السلام وموضع قبره

وتولّى الحسين عليه السلام تغسيله وتكفينه ودفنه .

وقبره بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد عليهاالسلام .

أولاده عليه السلام

وأولاده ثلاثة عشر ذكرا وابنة واحدة :

عبد اللّه ، وعمر ، والقاسم ، أمّهم أم ولد .

والحسين الأثرم ، والحسن ، أمّهما خولة بنت منظور الفزارية .

وعقيل ، والحسن ، أمّهما أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية .

وزيد ، وعمر من الثقفية ، وعبد الرحمن من أم ولد .

وطلحة ، وأبو بكر ، أمّهما أمّ إسحاق بنت طلحة التميمي .

وأحمد ، وإسماعيل ، والحسن الأصغر .

بناته عليه السلام

ابنته : أمّ الحسن فقط عند عبد اللّه .

ويقال : وأمّ الحسين ، وكانتا من أمّ بشير الخزاعية .

ص: 190

وفاطمة من أمّ إسحاق بنت طلحة .

وأمّ عبد اللّه ، وأمّ سلمة ، ورقيّة ، لأمّهات أولاد(1) .

شهداء الطفّ من أولاده عليهم السلام

وقتل مع الحسين عليه السلام من أولاده : عبد اللّه ، والقاسم ، وأبو بكر .

المعقّبون من أولاده عليه السلام

والمعقّبون من أولاده إثنان : زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن .

عدد أزواجه عليه السلام

أبو طالب المكي في قوت القلوب : أنّه عليه السلام تزوّج مائتين وخمسين امرأة !!!

وقيل : ثلاثمائة !!!

وكان علي عليه السلام يضجر من ذلك !!! فكان يقول في خطبته : إنّ الحسن مطلاق فلا تنكحوه(2) !!!

أبو عبد اللّه المحدّث في رامش أفزاي : إنّ هذه النساء كلّهن خرجن خلف جنازته حافيات !!!(3)

ص: 191


1- دلائل الإمامة : 163 ، اعلام الورى : 1/406 .
2- قوت القلوب : 2/219 .
3- علامات التعجب تغني عن التعليق ، وبناءا على الرقم « 300 » يلزم أن يكون قد تزوّج - بمعدّل - إمرأة في كلّ أربعين يوم من عمره الشريف، إذا حسبناشروعه عليه السلامفي الزواج من سنّ البلوغ المعتاد « 15 سنة » ، ولو ولدت له كلّ واحدة ولدا واحدا يلزم أن تكون ذريّته عليه السلام 300 ، ولو ولدت واحدة وقعدت الأخرى يلزم أن يكونوا (150) على الأقلّ ! هذا كلّه - في حسابهم - دون الجواري وأمّهات الأولاد !!

إقامة زوجة الحسن بن الحسن سنة على قبره

البخاري : لمّا مات الحسن بن الحسن بن علي عليهماالسلام ضربت امرأته القبّة على قبره سنة ، ثم رفعت .

فسمعوا صائحا يقول : هل وجدوا ما فقدوا ؟ فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا .

وهي بنت عمّه فاطمة بنت الحسين(1) عليهماالسلام - وفي رواية : غيرها - أنّها أنشدت بيت لبيد :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر

* * *

قال السيّد المرتضى :

يا آل خير عباد اللّه كلّهم

ومن له مثل أعناق الورى المنن

كم تثلمون بأيدي الناس كلّهم

وكم تعرس فيكم دهرها المحن

وكم يذودونكم عن حقّكم حنقا

ممليء الصدر بالأحقاد مضطغن

إنّ الذين نضوا(2) عنكم تراثكم

لم يغبنوكم ولكن دينهم غبنوا

ص: 192


1- البخاري : 2/90 ، روضة الواعظين : 492 ، الإرشاد للمفيد : 2/26 ، الهواتف لابن أبي الدنيا : 92 رقم 131 ، تاريخ دمشق : 70/19 .
2- نضوا عنكم : من نضا الثوب عنه : نزعه وخلعه .

باعوا الجنان بدار لا بقاء لها

وليس للّه فيما باعه ثمن

أحبّكم والذي صلّى الحجيج له

عند البناء الذي تهدن له البدن

وأرتجيكم لما بعد الممات إذا

وارى عن الناس جمعا أعظم الجنن

وإن يضلّ أناس عن سبيلهم

فليس لي غير ما أنتم به سنن

وما أبالي إذا ما كنتم وضحا

لناظريّ أضاء الخلق أم دجنوا(1)

وأنتم يوم أرمي ساعدي ويدي

وأنتم يوم يرميني العدى الجنن(2)

* * *

وقال أبو عباس الضبّي :

حبّ النبي أحمد

والآل فيه مجتري

أحنو عليهم ما حنا

على حياتي عمري

أعدّهم لمفخري

أعدّهم لمحشري

وكلّ وزري محبط

ما دام فيه وزري

وردي إليهم صاديا

وليس عنهم صدري

لعائن اللّه على

من ضلّ فيهم أثري

لعائنا تتركهم

معالما للخبر

* * *

ص: 193


1- الدجنة : الظلمة .
2- الجنن : جمع جنّة : الترس .

ص: 194

فصل 8 : في صلحه عليه السلام مع معاوية

اشارة

ص: 195

ص: 196

خطبته عليه السلام بعد شهادة أبيه عليه السلام

لمّا مات أمير المؤمنين عليه السلام خطب الحسن عليه السلام بالكوفة ، فقال :

أيّهاالناس، إنّ الدنيا دار بلاء وفتنة، وكلّ ما فيها فإلى زوال واضمحلال.

فلمّا بلغ إلى قوله : وإنّي أبايعكم على أن تحاربوا من حاربت ، وتسالموا

من سالمت .

فقال الناس : سمعنا وأطعنا ، فمرنا بأمرك يا إمام المؤمنين .

فأقام بها شهرين .

كلام ابن عباس معه عليه السلام

قال أبو مخنف : قال ابن عباس كلاما فيه : فشمّر في الحرب ، وجاهد عدوّك ، ودار أصحابك ، واستر من الضنين دينه بما لا ينثلم لك دين ، وولّ أهل البيوتات والشرف ، والحرب خدعة ، وعلمت أنّ أباك إنّما رغب الناس عنه وصاروا إلى معاوية !! لأنّه آسى بينهم في العطاء !

تبادل الكتب بينه عليه السلام وبين معاوية

فرتّب عليه السلام العمال ، وأنفذ عبد اللّه إلى البصرة ، فقصد معاوية نحو العراق ، فكتب إليه الحسن عليه السلام :

ص: 197

أمّا بعد ، فإنّ اللّه - تعالى - بعث محمدا رحمة للعالمين ، فأظهر به الحقّ ، وقمع به الشرك ، وأعزّ به العرب عامّة ، وشرّف من شاء منها خاصّة ، فقال « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ » .

فلمّا قبضه اللّه - تعالى - تنازعت العرب الأمر من بعده ، فقالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير ، فقالت قريش : نحن أولياؤه وعشيرته ، فلا تنازعونا سلطانه ، فعرفت العرب ذلك لقريش ، ثم جاحدتنا قريش ما عرفته العرب لهم ، وهيهات ما أنصفتنا قريش . . الكتاب .

فأجابه معاوية على يدي جندب الأزدي موصل كتاب الحسن عليه السلام :

فهمت ما ذكرت به محمدا صلى الله عليه و آله ، وهو أحقّ الأوّلين والآخرين بالفضل كلّه ، وذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده ، فصرحت بنميمة فلان وفلان وأبي عبيدة وغيرهم ، فكرهت ذلك لك ، لأنّ الأمّة قد علمت أنّ قريشا أحقّ بها ، وقد علمت ما جرى من أمر الحكمين ، فكيف تدعوني إلى أمر إنّما تطلبه بحقّ أبيك ، وقد خرج أبوك منه(1) .

ثم كتب : أمّا بعد ، فإنّ اللّه يفعل في عبادة من يشاء « لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ » ، فاحذر أن تكون منيّتك على يدي رعاع الناس ، وآيس من أن تجد فينا غميزة ، وإن أنت أعرضت عمّا أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ، وأجزت لك ما شرطت ، وأكون في ذلك كما قال أعشى بن قيس :

ص: 198


1- كتاب الفتوح لابن أعثم : 4/283 وما بعدها .

وإن أحد أسدى إليك كرامة

فأوف بما يدعى إذا متّ وافيا

فلا تحسدوا المولى إذا كان ذا غنى

ولا تجفه إن كان للمال نائيا

* * *

ثم الخلافة لك بعدي ، وأنت أولى الناس بها .

وفي رواية : ولو كنت أعلم أنّك أقوى للأمر ، وأضبط للناس ، وأكبت للعدو ، وأقوى على جمع الأموال منّي لبايعتك !!! لأنّني أراك لكلّ خير أهلاً .

ثم قال : إنّ أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر وأبيك بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

فأجابه الحسن عليه السلام :

أمّا بعد ، فقد وصل إليّ كتابك تذكر فيه ما ذكرت ، وتركت جوابك خشية البغي ، وباللّه أعوذ من ذلك ، فاتبع الحقّ ، فإنّك تعلم من أهله ، وعليّ إثم أن أقول فأكذب(1) .

خطبة عليه السلام في ساباط وخذلان القوم

واستنفر معاوية الناس ، فلمّا بلغ جسر منبج(2) بعث الحسن عليه السلام حجر بن عدي ، واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا ، ثمّ خفّ معه أخلاط من شيعته

ص: 199


1- مقاتل الطالبيين : 38 .
2- منبج : بالفتح ثم السكون وباء موحّدة مكسورة وجيم : بلد من بلاد الشام ، وقيل : إنّ أوّل من بناها كسرى لمّا غلب على الشام ، ومنه إلى حلب عشرة فراسخ . انظر معجم البلدان : 5/205 .

ومحكّمة وشكّاك ، وأصحاب عصبية وفتن ، حتى أتى « حمام عمر(1) » ، ثم أخذ على دير كعب ، فنزل ساباط .

فلمّا أصبح نودي بالصلاة جامعة ، فاجتمعوا ، فصعد المنبر فخطب وقال تجربة لهم :

أمّا بعد ، فواللّه ، إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد اللّه ومنّه وأنا أنصح خلق اللّه لخلقه ، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ، ولا مريدا له بسوء ولا غائلة .

ألا ، وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة .

ألا ، وإنّي ناظر لكم خير من نظركم لأنفسكم ، ولا تخالفوا أمري ، ولا تردّدوا على رأيي ، غفر اللّه لي ولكم ، وأرشدني وإياكم لما فيه المحبّة والرضا .

فقالوا : واللّه يريد أن يصالح معاوية ، ويسلّم الأمر إليه ، كفر - واللّه - الرجل كما كفر أبوه !!

سلبوا الإمام عليه السلام وهو حيّ

فانتهبوا فسطاطه حتى أخذوا مصلاّه من تحته ، ونزع مطرفه(2) عبد الرحمن بن جعال الأزدي ، وطعنه جراح بن سنان الأسدي في فخذه ،

ص: 200


1- اسم قرية .
2- المطرف بكسر الميم وفتحها وضمّها : رداء من خزّ مربع في طرفه علمان . مجمع البحرين .

وقتل الجراح عبد اللّه بن خطل الطائي وظبيان بن عمارة ، فأطاف به ربيعة وهمدان ، وهو على سرير ، حتى أنزل على سعد بن مسعود الثقفي(1) .

خيانة القوم وفرار عبيد اللّه بن عباس

وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السرّ ، واستحثّوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوّه من عسكره .

وورد عليه كتاب قيس بن سعد - وكان[ قد ] أنفذه مع عبيد اللّه بن العباس عند مسيره من الكوفة ليلقى معاوية ، وجعله أميرا ، وبعده قيس بن سعد - يخبر أنّهم نازلوا معاوية بالحنونية ، وأنّ معاوية أرسل إلى عبيد اللّه يرغّبه في المصير إليه ، وضمن له ألف ألف درهم يعجّل له منها النصف ، والنصف الآخر عند دخوله الكوفة ، فانسل عبيد اللّه إلى معاوية في الليل في خاصّته .

وصلّى بهم قيس ، وقال فيه ما قال ، وكان يغرّه معاوية ، فقال لجنده : اختاروا أحد إثنين أمّا القتال مع الإمام ، أو تبايعون بيعة ضلال ، فاختاروا الحرب ، فحاربوا معاوية ، فقال معاوية : إنّ الحسن يصالحني فما هذا القتال(2) ؟!

ص: 201


1- مقاتل الطالبيين : 41 ، الإرشاد للمفيد : 2/11 .
2- مقاتل الطالبيين : 42 وما بعدها ، تاريخ اليعقوبي : 2/214 .

فكان أهل العراق يستأمنون معاوية ، ويدخلون عليه قبيلة بعد قبيلة ، فازدادت بصيرة ! الحسن عليه السلام بنياتهم ، إذ كتب إليه معاوية في الصلح ، وأنفذ بكتب أصحابه ، واشترط له على نفسه شروطا وعقودا ، فعلم الحسن عليه السلام احتياله واغتياله غير أنّه لم يجد بدّا من إجابته ، فقال الحسين عليه السلام : يا أخي أعيذك باللّه من هذا(1) !! فأبى(2) .

شروط الصلح

وأنفذ إلى معاوية عبد اللّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، فتوثّق منه لتأكيد الحجّة :

أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنّة نبيّه .

والأمر من بعده شورى .

وأن يترك سبّ علي عليه السلام .

وأن يؤمّن شيعته ، ولا يتعرّض لأحد منهم .

ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه .

ص: 202


1- لم نجد في روايات أهل البيت عليهم السلام موردا يعترض فيه إمام معصوم صامت على إمام معصوم ناطق ، وهما دائما إمامان ومعصومان قاما أو قعدا فلا يكون بينهما تعارض ، وهما لا يصدران إلاّ عن اللّه ، ولا يكون في حكم اللّه إختلاف ، وقد مرّ معنا قبل قليل ما رواه المؤلف رحمه الله : عن الباقر عليه السلام قال : ما تكلّم الحسين عليهماالسلامبين يدي الحسن عليه السلامإعظاما له .
2- تاريخ دمشق : 13/267 ، الفتوح لابن أعثم : 4/289 .

ويوفّر عليه حقّه كلّ سنة خمسون ألف(1) درهم .

فعاهده على ذلك معاوية ، وحلف بالوفاء به ، وشهد بذلك عبد الرحمن بن الحارث ، وعمرو بن أبي سلمة ، وعبد اللّه بن عامر بن كريز ، وعبد الرحمن بن أبي سمرة ، وغيرهم .

فلمّا سمع ذلك قيس بن سعد قال :

أتاني بأرض العال من أرض مسكن

بأنّ إمام الحقّ أضحى مسالما

فما زلت مذ بيّنته متلدّدا(2)

أراعي نجوما خاشع القلب واجما(3)

* * *

خطبته عليه السلام في صلح معاوية

وروي أنّه قال الحسن عليه السلام في صلح معاوية :

أيّها الناس ، إنّكم لو طلبتم ما بين جابلقا وجابرصا رجلاً جدّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما وجدتم غيري وغير أخي ، وإنّ معاوية نازعني حقّا هو لي ، فتركته لصلاح الأمّة ، وحقن دمائها ، وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، وقد رأيت أن أسالمه ، وأن يكون ما صنعت حجّة على من

ص: 203


1- في الفتوح : « خمسة آلاف ألف درهم » .
2- تلدد : تحيّر متبلّدا .
3- الفتوح لابن أعثم : 4/290 وما بعدها .

كان يتمنّى هذا الأمر « وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ »(1) .

وفي رواية : إنّما هادنت حقنا للدماء وصيانتها ، وإشفاقا على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي(2) .

وروي أنّه عليه السلام قال : يا أهل العراق ، إنّما سخى عليكم(3) بنفسي ثلاث : قتلكم أبي ، وطعنكم إياي ، وانتهابكم متاعي(4) .

قال ابن طوطي الواسطي :

لقد باع دنياهم بدين معاشر

متى ما تبع دنياك بالدين يشتروا

فإن قال قوم كان في البيع خاسر

فللمشتري دنياه بالدين أخسر

* * *

وقال محمد بن منصور :

السيّد الحسن الذي فاق الورى

علما وحلما سيّد الشبّان

رقّت طبيعته فجاد بإمرة

لمّا التوى وتجاذب الفتيان

حقن الدماء لأمّة مرحومة

علما بما يأتي من الفتنان

* * *

ص: 204


1- الفتوح لابن أعثم : 4/293 ، تنزيه الأنبياء للمرتضى : 224 ، الاحتجاج : 1/420 ، معجم ما استعجم : 2/354 .
2- تنزيه الأنبياء للمرتضى : 222 .
3- في « المصادر » : « عنكم » .
4- المعجم الكبير للطبراني : 1/105 رقم 168 ، تاريخ الطبري : 4/122 .

إمتناع الحسين عليه السلام عن البيعة

ودخل الحسين عليه السلام على أخيه باكيا ، ثم خرج ضاحكا ، فقال له مواليه : ما هذا ؟

قال : أتعجّب من دخولي على إمام أريد أن أعلّمه !!

فقلت : ماذا دعاك إلى تسليم الخلافة ! فقال : الذي دعا أباك فيما تقدّم(1) .

قال : فطلب معاوية البيعة من الحسين عليه السلام ، فقال الحسن عليه السلام : يا معاوية لا تكرهه ، فإنّه لن يبايع أبدا أو يقتل ، ولن يقتل حتى يقتل أهل بيته ، ولن يقتل أهل بيته حتى يقتل أهل الشام(2) .

خطبة معاوية بعد الصلح

قال : فنزل معاوية يوم الجمعة بالنخيلة(3) ، فصلّى بالناس ضحى النهار ، وقال في خطبته : إنّي - واللّه - ما قاتلتكم لتصلّوا ولا تصوموا ولا تحجّوا ولا تزكّوا ، إنّكم لتفعلون ذلك ، ولكنّي قاتلتكم لا تأمّر عليكم ،

ص: 205


1- لم أعثر عليه في أيّ مصدر من المصادر المتوفرة لديّ على كثرتها ، وقد مرّ الكلام في أكثر من موضع تعليقا على ما روته العامّة من هذا القبيل ، فإنّهم لا يعتقدون بعصمة الحسنين عليهماالسلام ، فينسجون هذه الحكايات وفق معتقداتهم ، وترويجا لأباطيلهم الأموية الكاسدة .
2- الفتوح لابن أعثم : 4/292 .
3- النخيلة : موضع قرب الكوفة على سمت الشام . معجم البلدان .

وقد أعطاني اللّه ذلك ، وأنتم له كارهون(1) .

وإنّي منّيت الحسن ، وأعطيته أشياء ، وجميعها تحت قدمي ، ولا أفي بشيء منها(2) !

قال الأصفهاني :

وتجنّبوا ولد الرسول وصيّروا

عهد الخلافة في يدي خوّان

فطوى محاسنها وأوسع أهلها

منع الحقوق وواجب السمعان

* * *

موقف سليمان بن صرد الخزاعي

وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي عليهماالسلام : ما ينقضي تعجّبنا منك !! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز !!

فقال الحسن عليه السلام : كان ذلك ، فما ترى الآن ؟

فقال : واللّه ، أرى أن ترجع ، لأنّه نقض العهد ، فقال : يا مسيب ، إنّ الغدر لا خير فيه ، ولو أردت لما فعلت .

ص: 206


1- مقاتل الطالبيين : 45 ، الإرشاد للمفيد : 2/14 ، المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : 7/251 رقم 23 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 2/157 ح 483 ، تاريخ دمشق : 59/150 .
2- الإرشاد للمفيد : 2/14 ، مقاتل الطالبيين : 45 ، اعلام الورى : 1/403 .

موقف حجر بن عدي !

فقال حجر بن عدي : أما - واللّه - لوددت أنّك متّ في ذلك اليوم ومتنا معك ، ولم نر هذا اليوم ، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا(1)(2) !!!

فلمّا خلا به الحسن عليه السلام قال : يا حجر ، قد سمعت كلامك في مجلس معاوية ، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ ، ولا رأيه كرأيك ، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءا عليكم ، واللّه - تعالى - « كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ »(3) .

من شعره عليه السلام

وأنشأ عليه السلام لمّا اضطر إلى البيعة :

أجامل أقواما حياء ولا أرى

قلوبهم تغلي عليّ مراضها(4)

ص: 207


1- الفتوح لابن أعثم : 4/295 .
2- ما ورد عن مواقف خلّص الشيعة من أمثال حجر بن عدي في مصادر العامّة يحتاج إلى تأمّل ، لأنّ حجر المبشّر بالجنّة ، والمسلّم لإمامه ، والمقتول في حبّ أمير المؤمنين وولايته الذي شهد له سيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام بالصلاح والعبادة والإيمان في كتابه إلى الطليق ابن الطليق معاوية أنبل وأعلم بالإمام من أن يواجهه بهذه العبارة وغيرها ممّا نسب إليه في كتب التاريخ ، ولا يخفى على البصير وجه التقوّل والافتراء الذي اتّخذه الأمويون ديدنا ودينا على الصالحين من أصحاب الأئمة عليهم السلام ، وربما كانت هذه العبارات البائسة تصدر من بعض الخوارج والمحكّمة والشكّاك المتواجدين بكثرة في معسكر السبط الأكبر عليه السلام ، وربما قالها حجر لكن لا بهذه الصورة المشينة ، كأن يقول مثلاً « يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا » ، لا اعتراضا على الإمام عليه السلام وإنّما حسرة على نفسه وعلى العباد .
3- الفتوح لابن أعثم : 4/295 .
4- أخبار الدولة العباسية : 58 .

وله عليه السلام :

لئن ساءني دهر عزمت تصبّرا

وكلّ بلاء لا يدوم يسير

وإن سرّني لم أبتهج بسروره

وكلّ سرور لا يدوم حقير

* * *

عذلوا الإمام المعصوم عليه السلام !!

تفسير الثعلبي ، ومسند الموصلي ، وجامع الترمذي ، واللّفظ له ، عن يوسف بن مازن الراسبي : أنّه لمّا صالح الحسن بن علي عليهماالسلام عذل ، وقيل له : يا مذلّ المؤمنين ، ومسود الوجوه(1) !!!

فقال : لا تعذلوني ، فإنّ فيها مصلحة .

ولقد رأى النبي صلى الله عليه و آله في منامه يخطب بنو أمية واحدا بعد واحد فحزن ،

ص: 208


1- صلّى اللّه عليك يا معزّ المؤمنين ، ومبيّض الوجوه ، وحاقن الدماء ، والقائم بأمر ربّ العالمين ، والمظلوم المسموم ، والإمام المفترض الطاعة الأمين ، صلّى اللّه عليك وعلى جدّك وأبيك وأمّك وأخيك والمستشهدين من بنيك بين يدي سيّد الشهداء الحسين عليه السلام ، ولعن اللّه شانئيك ومبغضيك ومسخطيك . ثم لا يظنّن أحد أنّ شيعة الإمام عليه السلام يعذلونه بمثل هذه الألفاظ ، لأنّ الشيعي قد تأخذه الحمية والغيرة على إمامه ، فيثور وينطق بما في قلبه أمام إمامه - وهو يعلم أنّ إمامه عالم بما في قلبه - ، لكنّه لا يعذله ولا يقول له مثل هذا القول ، لمكان إعتقاده بأنّه معصوم مفترض الطاعة ، فربما كان بعض المحكّمة والخوارج والشكّاك - خذلهم اللّه - هو الذي تجرّأ على الإمام بهذه الكلمات ، ولذا نسبها المؤلف الى المجهول ، وفي المصادر : « فقام رجل فقال : . . » .

فنزل جبرئيل عليه السلام بقوله : « إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ » و « إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » .

وفي خبر عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، فنزل : « أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ » إلى قوله « يُمَتَّعُونَ » ، ثم أنزل « إِنّا أَنْزَلْناهُ » يعني جعل اللّه ليلة القدر لنبيّه خيرا من ألف شهر ملك بني أميّة(1) .

الأمويون القردة ينزون على منبر النبي صلى الله عليه و آله

وعن سعيد بن يسار ، وسهل بن سهل : إنّ النبي صلى الله عليه و آله رأى في منامه أنّ قرودا تصعد في منبره وتنزل ، فساءه ذلك واغتمّ به ، ولم ير بعد ذلك ضاحكا حتى مات(2) .

وهو المروي عن جعفر بن محمد عليهماالسلام .

مسند الموصلي : أنّه رأى في منامه خنازير تصعد في منبره(3) . . الخبر .

وقال أبو القاسم ابن الفضل الحراني : عددنا ملك بني أميّة ، فكان ألف شهر(4) .

ص: 209


1- الفتوح لابن أعثم : 4/296 ، سنن الترمذي : 5/115 رقم 3408 ، تفسير السمعاني : 6/261 ، تفسير الثعلبي : 10/257 ، المستدرك للحاكم : 3/171 ، المعجم الكبير للطبراني : 3/90 ، اعلام الورى : 1/98 .
2- تفسير مجمع البيان : 6/266 ، تفسير التبيان للطوسي : 6/494 .
3- مسند أبي يعلى : 11/348 رقم 6461 ، وفيه : « . . بني الحكم ينزون . . وقال : ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة . . » .
4- تفسير الثعلبي : 10/257 ، تفسير جامع البيان للطبري : 30/330 رقم 29192 .

قال شاعر :

لو أنّهم أمنوا أبدوا عداوتهم

لكنّهم قمعوا بالذلّ فانقمعوا

أليس في ألف شهر قد مضت لهم

سقوكم جزعا من بعدها جزع

* * *

خطبة معاوية في الكوفة وردّ الإمام عليه السلام

قال : فلمّا دخل معاوية الكوفة ، وذكر عليا عليه السلام ، فنال منه ومن الحسن والحسين عليهم السلام ، فقال الحسن عليه السلام :

أيّها الذاكر عليا ! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمّي فاطمة ، وأمّك هند ، وجدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وجدّك حرب ، وجدّتي خديجة ، وجدّتك قبيلة ، فلعنة اللّه على أخملنا ذكرا ، وألئمنا حسبا ، وشرّنا قوما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا(1) .

قال محمد بن الحسن الكلاعي الحميري :

من جدّه خيرة البرايا

إن عدد الفاخر العلاء

ومن أبوه الوصيّ أعلى

من دخل الجنّة اعتلاء

إذ شتت الشرك واستنارت

دلائل تكشف العماء

وأمّه فضلت ففاقت

بفضلها في الورى النساء

وعمّه في الجنان أضحى

يطير منهن حيث شاء

هذا وأعظم بجدّتيه

فضلاً وأوسعهما نداء

ص: 210


1- مقاتل الطالبيين : 46 ، الإرشاد للمفيد : 2/15 .

وقال نصر بن المنتصر :

من ذا يدانيه إذا قيل له

من قاب قوسين من اللّه دنا

سادت نساء العالمين أمّه

وساد في الخلد أبوه المرتجى

نجل نبي العالمين المصطفى

وابن أمير المؤمنين المرتضى

من ذا له جدّ تعالى ذكره

باللّه مقرونا إذا قام الندا

من كالنبيّ والوصيّ والده

وزوجه وابنيه أصحاب العبا

* * *

وقال ابن طوطي :

بنفسي نفسا بالبقيع تغيب

ونور هدى في قبره ظلّ يقبر

إمام هدى عفّ الخلائق ماجد

تقيّ نقيّ ذو عفاف مطهر

أشدّ عباد اللّه بأسا لدى الوغى

وأجلى لكشف الأمر وهو معسر

وأزهد في الدنيا وأطيب محتدا

وأطعن دون المحصنات وأغير

* * *

ص: 211

ص: 212

فصل 9 : في المفردات

اشارة

ص: 213

ص: 214

وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهماالسلام

الصادق عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب لابنه الحسن عليه السلام بعد انصرافه من صفين :

أمّا بعد ، فإنّي وجدتك بعضي ، بل وجدتك كلّي ، حتى كأنّ شيئا أصابك أصابني ، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي ، فكتبت لك كتابي هذا ، إن أنا بقيت أو فنيت ، فإنّي أوصيك بتقوى اللّه - عزّ وجلّ - ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله(1)(2) . . . وذكر الوصيّة .

ص: 215


1- نهج البلاغة : 391 ك 31 ، تحف العقول : 68 .
2- في نهج البلاغة : ومن وصيّة له عليه السلام للحسن بن علي عليهماالسلام كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين ، وقال غيره : إنّها وصيّة كتبها عليه السلام لولده محمد بن الحنفية : مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ الْمُسْتَسْلِمِ لِلدُّنْيَا السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى وَالظَّاعِنِ عَنْهَا غَدا إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤمِّلِ مَا لاَ يُدْرِكُ السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ غَرَضِ الأَسْقَامِ وَرَهِينَةِ الأَيَّامِ وَرَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ وَعَبْدِ الدُّنْيَا وَتَاجِرِ الْغُرُورِ وَغَرِيمِ الْمَنَايَا وَأَسِيرِ الْمَوْتِ وَحَلِيفِ الْهُمُومِ وَقَرِينِ الأَحْزَانِ وَنُصُبِ الآفَاتِ وَصَرِيعِ الشَّهَوَاتِ وَخَلِيفَةِ الأَمْوَاتِ . أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ وَإِقْبَالِ الآخِرَةِ إِلَيَّ مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ وَالاِهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي فَصَدَفَنِي رَأْيِي وَصَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ وَصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لاَ يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ وصِدْقٍ لاَ يَشُوبُهُ كَذِبٌ وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئا لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي مُسْتَظْهِرا بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَيْ بُنَيَّ وَلُزُومِ أَمْرِهِ وعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ وَالاِعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ وَأَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَهِ قَوِّهِ بِالْيَقِينِ وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِيالأَيَّامِ وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ وَحَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ وَدَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لاَ تَعْرِفُ وَالْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ وأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِي الْحَقِّ وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ وَمَانِعٍ عَزِيزٍ وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ وَأَكْثِرِ الاِسْتِخَارَةَ وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي وَلاَ تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحا فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَلاَ يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لاَ يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ أَيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّا وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْنا بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وَأَوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ . أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ وأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَنَفْسٍ صَافِيَةٍ وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَتَأْوِيلِهِ وَشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ لاَ أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ آرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِحْكَامُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْرٍ لاَ آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَهَ رَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللَّهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هَذِهِ . وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللَّهِ وَالاِقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذَلِكَ إِلَى الأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا وَالإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهُّمٍ وتَعَلُّمٍ لاَ بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالاِسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَةٍ فَإِنْ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ وَتَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذَلِكَ هَمّا وَاحِدا فَانْظُرْ فِيمَا فَسَّرْتُ لَكَ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ وَلَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ والإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ أَمْثَلُ . فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُ-وَ مَالِكُ الْحَيَ-اةِ وَأَنَّ الْخَالِقَ هُ-وَ الْمُمِيتُ وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلاَّ عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّعْمَاءِ وَالاِبْتِلاَءِ وَالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لاَ تَعْلَمُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ بِهِ جَاهِلاً ثُمَّ عُلِّمْتَ وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الأَمْرِ وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَ سَوَّاكَ وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ . وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَدا لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه و آله فَارْضَ بِهِ رَائِداإِلَى النَّجَاةِ قَائِدا فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ وَ إِنِ اجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ . وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُهُ وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ وَلَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ وَلاَ يَزُولُ أَبَدا وَلَمْ يَزَلْ أَوَّلٌ قَبْلَ الأَشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّةٍ وَآخِرٌ بَعْدَ الأَشْيَاءِ بِلاَ نِهَايَةٍ عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ وعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَنٍ وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِيحٍ . يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَحَالِهَا وزَوَالِهَا وَانْتِقَالِهَا وَأَنْبَأْتُكَ عَنِ الآخِرَةِ وَمَا أُعِدَّ لأَهْلِهَا فِيهَا وَضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الأَمْثَالَ لِتَعْتَبِرَ بِهَا وَتَحْذُوَ عَلَيْهَا إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ فَأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِيبا وَجَنَابا مَرِيعا فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ وَفِرَاقَ الصَّدِيقِ وَخُشُونَةَ السَّفَرِ وَجُشُوبَةَ المَطْعَمِ لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَما وَلاَ يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَما وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَلاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ . يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَانا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وَآفَةُ الأَلْبَابِ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ وَلاَ تَكُنْ خَازِنا لِغَيْرِكَ إِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقا ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَأَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الاِرْتِيَادِقَدْرِ بَلاَغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِ غَدا حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ . وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُودا الْمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِنَ الْمُثْقِلِ وَالْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالاً مِنَ الْمُسْرِعِ وَأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ وَوَطِّئِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ وَلاَ إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالاْءِجَابَةِ وَأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى وَلَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الإِنَابَةِ وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَلَمْ يُؤيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْرا وَفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ وَبَابَ الاِسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ الأَعْمَارِ وَصِحَّةِ الأَبْدَانِ وَسَعَةِ الأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الآمِلِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْرا مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ . وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ وَلِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ وَدَارِ بُلْغَةٍ وطَرِيقٍ إِلَى الآخِرَةِ وَأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ وَلاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ وَ لاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ . ذكر الموت يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا فَقَدْ نَبَّأَكَ اللَّهُ عَنْهَا وَنَعَتْ هِيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا وَرَكِبَتْ مَجْهُولَهَا سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا وَلاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى وَأَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا وَغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا وَاتَّخَذُوهَا رَبّا فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا . الترفق في الطلب رُوَيْدا يُسْفِرُ الظَّلاَمُ كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الأَظْعَانُ يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ . واعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفا وَيَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيما وَادِعا . وَاعْلَمْ يَقِينا أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ وأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ وَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ وَلاَ كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضا وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّا وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ وَيُسْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِعُسْرٍ وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وَآخِذٌ سَهْمَكَ وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ . وصايا شتّى وَتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ وَرُبَّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّهُ مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقا كَانَ الْخُرْقُ رِفْقا رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً وَالدَّاءُ دَوَاءً وَرُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ وَإِيَّاكَ وَالاِتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ وَلاَ كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ وَمِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ وَمَفْسَدَةُ الْمَعَادِ وَلِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ وَرُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ لاَ خَيْرَ فِي مُعِينٍ مَهِينٍ وَلاَ فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ وَلاَ تُخَاطِرْ بِشَيْءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجَاجِ احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللَّطَفِ الْمُقَارَبَةِ وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ لاَ تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقا فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَهً لاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ يَوْما مَا وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْرا فَصَدِّقْ ظَنَّهُ وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ وَلاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ وَلاَ تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَى الإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الإِحْسَانِ وَلاَ يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ . وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ وَإِنْ كُنْتَ جَازِعا عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الأُمُورَ أَشْبَاهٌ وَلاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالآدَابِ وَالْبَهَائِمَ لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ . اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ وَالْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى وَرُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ وَأَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكا إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكا لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ وَلاَ كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ وَأَصَابَ الأَعْمَى رُشْدَهُ أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ . إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلاَمِ مَا يَكُونُ مُضْحِكا وَإِنْ حَكَيْتَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِكَ . وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ وَلاَ تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ وَلاَ تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا وَلاَ تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا وَإِيَّاكَ وَالتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلاً تَأْخُذُهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلاَّ يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ وَيَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ . اسْتَوْدِعِ اللَّهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ وَاسْأَلْهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالآجِلَهِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالسَّلاَمُ .

ص: 216

ص: 217

ص: 218

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

خيانة ابن عمر في صفين وردّ الإمام عليه السلام

ونادى عبد اللّه بن عمر للحسن بن علي عليهماالسلام في أيام صفين وقال : إنّ لي نصحة ، فلمّا برز إليه ، قال : إنّ أباك بغضه لعنة ، وقد خاض في دم عثمان ، فهل لك أن تخلعه نبايعك ، فأسمعه الحسن عليه السلام ما كرهه ، فقال معاوية : إنّه ابن أبيه(1) .

ص: 223


1- وقعة صفين للمنقري : 297 وفيه : « بعث عبيد اللّه بن عمر إلى الحسن بن علي عليهماالسلام فقال : إنّ لي إليك حاجة فالقني . فلقيه الحسن عليه السلام فقال له عبيد اللّه : إنّ أباك قد وتر قريشا أولاً وآخرا ، وقد شنئوه فهل لك أن تخلعه ونولّيك هذا الأمر ؟ قال : كلا - واللّه - لا يكون ذلك . ثم قال له الحسن عليه السلام : لكأنّي أنظر إليك مقتولاً في يومك أو غدك ، أما إنّ الشيطان قد زيّن لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام موقفك ، وسيصرعك اللّه ويبطحك لوجهك قتيلاً . قال : فواللّه ما كان إلاّ كيومه أو كالغد ، وكان القتال ، فخرج عبيد اللّه في كتيبة رقطاء - وهي الخضرية - كانوا أربعة آلاف ، عليهم ثياب خضر ، ونظر الحسن عليه السلام فإذا هو برجل متوسّد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه ، وربط فرسه برجله ، فقال الحسن عليه السلاملمن معه : انظروا من هذا ، فإذا هو برجل من همدان ، فإذا القتيل عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب ، قد قتله وبات عليه حتى أصبح ، ثم سلبه ، فسأل الرجل من هو ؟ فقال : رجل من همدان ، وإنّه قتله ، فحمد اللّه وحزنا القوم حتى اضطررناهم إلى معسكرهم . وفي الفتوح لابن أعثم : 3/39 : « الحسين عليه السلام » بدل « الحسن عليه السلام » ، قال : « وأرسل عبيد اللّه بن عمر بن الخطاب إلى الحسين بن علي عليهماالسلام أنّ لي إليك حاجة فالقني إذا شئت حتى أخبرك . قال : فخرج إلى الحسين عليه السلام حتى واقفه وظنّ أنّه يريد حربه ، فقال له ابن عمر : إنّي لم أدعك إلى الحرب ، ولكن اسمع منّي فإنّها نصيحة لك ، فقال الحسين عليه السلام : قل ما تشاء ، فقال : اعلم أنّ أباك قد وتر قريشا ، وقد بغضه الناس وذكروا أنّه هو الذي قتل عثمان ، فهل لك أن تخلعه وتخالف عليه حتى نوليك هذا الأمر ؟ فقال الحسين عليه السلام : كلا - واللّه - لا أكفر باللّه وبرسوله وبوصيّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اخس ويلك من شيطان مارد ! فلقد زيّن لك الشيطان سوء عملك ، فخدعك حتى أخرجك من دينك باتباع القاسطين ، ونصرة هذا المارق من الدين ، لم يزل هو وأبوه حربيين وعدوّين للّه ولرسوله وللمؤمنين ، فواللّه ما أسلما ولكنّهما استسلما خوفا وطمعا ! فأنت اليوم تقاتل عن غير متذمّم ، ثم تخرج إلى الحرب متخلّقا - أي متطيّبا بالخلوق - لترائي بذلك نساء أهل الشام ، ارتع قليلاً ، فإنّي أرجو أن يقتلك اللّه - عزّ وجلّ - سريعا . قال : فضحك عبيد اللّه بن عمر ، ثم رجع إلى معاوية فقال : إنّي أردت خديعة الحسين عليه السلاموقلت له كذا وكذا ، فلم أطمع في خديعته ، فقال معاوية : إنّ الحسين بن علي لا يخدع ، وهو ابن أبيه » .

نساء خطبهن الإمام عليه السلام

وفي الإحياء : أنّه خطب الحسن بن علي عليهماالسلام إلى عبد الرحمن بن الحارث بنته ، فأطرق عبد الرحمن ، ثم رفع رأسه فقال : واللّه ما على وجه الأرض من يمشي عليها أعزّ عليّ منك ، ولكنك تعلم أنّ ابنتي بضعة منّي ، وأنت مطلاق ! فأخاف أن تطلّقها ، وإن فعلت خشيت أن يتغيّر قلبي عليك ، لأنّك بضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإن شرطت أن لا تطلّقها زوجتك .

ص: 224

فسكت الحسن عليه السلام وقام وخرج ، فسمع منه يقول : ما أراد عبد الرحمن إلاّ أن يجعل ابنته طوقا في عنقي(1) .

وروى محمد بن سيرين : أنّه خطب الحسن عليه السلام إلى منظور بن ريان ابنته « خولة » ، فقال : واللّه إنّي لأنكحك ، وإنّي لأعلم أنّك غلق طلق ملق(2) !! غير أنّك أكرم العرب بيننا ، وأكرمهم نفسا(3) ، فولد منها الحسن بن الحسن(4) .

زواجه عليه السلام بأمّ خالد !

ورأى يزيد امرأة عبد اللّه بن عامر أم خالد بنت أبي جندل ، فهام بها ، وشكا ذلك إلى أبيه .

فلمّا حضر عبد اللّه عند معاوية قال له : لقد عقدت لك على ولاية البصرة ، ولولا أنّ لك زوجة لزوّجتك رملة .

ص: 225


1- إحياء العلوم للغزالي : 2/56 باب 3 « في آداب المعاشرة » .
2- في لسان العرب : الغَلِقُ : الضيّق الخُلُق العسر الرضا ، والغَلِقُ : الكثير الغضب ، والمَلِقُ : الذي يَعِدُك ويُخْلِفك فلا يفي ويتزيّن بما ليس عنده ، والملق : يظهر بلسانه من الودّ غير ما في قلبه ، والطلق : غير المقيّد . وقد كذب أعداء اللّه كذبة بائسة حقيرة ، وما كانت هذه التهم الرخيصة تنسب - ولو كذبا - الى حليم أهل البيت عليهم السلام وكريمهم وسيّد شباب الجنّة عليه السلام ، وهي رواية عامّية أموية مهينة ساقطة لا تستحق النقد ، ولا ينبغي الوقوف عندها ، والالتفات اليها .
3- المعجم الكبير للطبراني : 3/27 رقم 563 ، تاريخ دمشق : 13/251 .
4- سرّ السلسلة العلوية : 5 .

فمضى عبد اللّه وطلّق زوجته طمعا في رملة ، فأرسل معاوية أبا هريرة ليخطب أم خالد ليزيد ابنه ، وبذل لها ما أرادت من الصداق ، فاطلع الحسن والحسين عليهماالسلام وعبد اللّه بن جعفر ، فاختارت الحسن عليه السلامفتزوّجها(1)(2) .

خطبة الإمام عليه السلام بنت عثمان وخطبة يزيد بنت ابن جعفر

عبد الملك بن عمير ، والحاكم ، والعباس قالوا : خطب الحسن عليه السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان : أزوّجها عبد اللّه بن الزبير .

ثم إنّ معاوية كتب إلى مروان - وهو عامله على الحجاز - يأمره أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد اللّه بن جعفر لابنه يزيد ، فأبى عبد اللّه بن جعفر ، فأخبره بذلك ، فقال عبد اللّه : إنّ أمرها ليس إليّ ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين عليه السلام ، وهو خالها .

فأخبر الحسين عليه السلام بذلك ، فقال : أستخير اللّه تعالى ، اللّهم وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمد صلى الله عليه و آله .

فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين عليه السلام ، وعنده من الجلّة وقال : إنّ أمير المؤمنين ! أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ،

ص: 226


1- كتاب الأمثال لابن سلام : 287 ، فصل المقال في شرح كتاب الأمثال : 1/287 ، مجمع الأمثال : 1/132 .
2- الخبر عامّي ، وانظر للمزيد كتاب السيد جعفر مرتضى العاملي - حفظه اللّه - « بحوث في التاريخ . . » فقد ناقش مفصلاً قصّة أرينب .

مع قضاء دينه ، واعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم !! والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفو من لا كفو له ، وبوجهه يستسقى الغمام !!! فردّ خيرا يا أبا عبد اللّه .

فقال الحسين عليه السلام : الحمد للّه الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه . . إلى آخر كلامه .

ثم قال : يا مروان ، قد قلت فسمعنا :

أمّا قولك « مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ » فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهما .

وأمّا قولك « مع قضاء دين أبيها » فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا .

وأمّا صلح ما بين هذين الحيين ، فإنّا قوم عاديناكم في اللّه ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري فلقد أعيى النسب ، فكيف السبب ؟!

وأمّا قولك « العجب ليزيد كيف يستمهر » فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جدّ يزيد .

وأمّا قولك « إنّ يزيد كفو من لا كفو له » فمن كان كفوه قبل اليوم ، فهو كفوه اليوم ، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا .

وأمّا قولك « بوجهه يستسقى الغمام » فإنّما كان ذلك بوجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

وأمّا قولك « من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا » فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل .

ص: 227

ثم قال بعد كلام : فاشهدوا جميعا أنّي قد زوّجت أم كلثوم بنت عبد اللّه بن جعفر من ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما ، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة - أو قال : أرضي بالعقيق - وأنّ غلّتها في السنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لها غنى إن شاء اللّه .

قال : فتغيّر وجه مروان ، وقال : أغدرا يا بني هاشم ، تأبون إلاّ العداوة .

فذكّره الحسين عليه السلام خطبة الحسن عليه السلام عائشة وفعله ، ثم قال : فأين موضع الغدر يا مروان(1) ؟

فقال مروان :

أردنا صهرك لنجدّ ودّا

قد اخلقه به حدث الزمان

فلمّا جئتكم فجبهتموني

وبحتم بالضمير من الشنان

* * *

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :

أماط اللّه منهم كلّ رجس

وطهّرهم بذلك في المثاني

فما لهم سواهم من نظير

ولا كفؤ هناك ولا مداني

أيجعل كلّ جبار عنيد

إلى الأخيار من أهل الجنان

* * *

ثم إنّه كان الحسين عليه السلام تزوّج بعائشة بنت عثمان(2) !

ص: 228


1- تاريخ دمشق : 57/245 ، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد : 40 « باختلاف » .
2- لم نجدها في أزواج الحسين عليه السلام .

مدينتين للّه حجتّه فيهما الحسن والحسين عليهماالسلام

وقال الحسن عليه السلام : إنّ للّه مدينتين ، إحداهما في المشرق ، والأخرى في المغرب ، فيها خلق للّه لم يهمّوا بمعصية اللّه - تعالى - قطّ ، واللّه ما فيهما ولا بينهما حجّة للّه على خلقه غيري وغير أخي الحسين(1) .

انزل عن منبر أبي

فضائل السمعاني ، وأبي السعادات ، وتاريخ الخطيب ، واللّفظ للسمعاني : قال أسامة بن زيد : جاء الحسن بن علي عليهماالسلام إلى أبي بكر ، وهو على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال : انزل عن مجلس أبي ، قال : صدقت إنّه مجلس أبيك ، ثم أجلسه في حجره وبكى .

فقال علي عليه السلام : واللّه ، ما كان هذا عن أمري ، قال : صدقتك ، واللّه ما اتهمتك(2) .

وفي رواية الخطيب : أنّه قال الحسين عليه السلام لعمر : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك .

فقال عمر : لم يكن لأبي منبر .

ص: 229


1- بصائر الدرجات : 514 باب 15 ح 11 ، روضة الواعظين : 166 ، الإرشاد للمفيد : 2/29 ، الكافي : 1/462 ح 5 ، الاختصاص للمفيد : 291 .
2- تاريخ دمشق : 30/307 ، كنز العمال : 5/616 رقم 14085 ، أمالي الطوسي : 703 ح 1504 .

قال عليه السلام : فأخذني وأجلسني معه ، ثم سألني من علّمك هذا ؟

فقلت : واللّه ما علّمني أحد(1) .

أصحاب الإمام الحسن عليه السلام

ومن أصحابه عليه السلام :

عبد اللّه بن جعفر الطيار .

ومسلم بن عقيل .

وعبيد اللّه بن العباس .

وحبابة بنت جعفر الوالبية(2) .

ص: 230


1- تاريخ بغداد للخطيب : 1/152 ، تاريخ دمشق : 14/175 ، تاريخ المدينة لابن شبة : 3/799 ، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي : 2/256 ح 722 ، معرفة الثقات للعجلي : 1/302 رقم 310 .
2- حبابة الوالبية : عدّها الشيخ في رجاله تارة في أصحاب الحسن عليه السلام وأخرى في أصحاب الباقر عليه السلام ، وعدّها البرقي ممّن روى عن أمير المؤمنين وعن أبي جعفر عليهماالسلام . وقال الكشي : محمد بن مسعود ، قال : حدّثني جعفر بن أحمد ، قال : حدّثني العمركي ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عنبسة بن مصعب وعلي بن المغيرة ، عن عمران بن ميثم ، قال : دخلت أنا وعباية الأسدي على امرأة من بني أسد ، يقال لها حبابة الوالبية ، فقال لها عباية : تدرين من هذا الشاب الذي هو معي ؟ قالت : لا ، قال : مه ابن أخيك ميثم ، قالت : أي واللّه ، أي واللّه ، ثم قالت : ألا أحدّثكم بحديث سمعته من أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام، قلنا: بلى، قالت: سمعت الحسين بن علي عليهماالسلام يقول: نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث اللّه عليها محمدا - صلّى اللّه عليه وآله - وسائر الناس منها برآء . وكانت قد أدركت أمير المؤمنين عليه السلام وعاشت إلى زمن الرضا عليه السلام على ما بلغني ، واللّه أعلم ... . وقال الشيخ : وقصته - الرضا عليه السلام - مع حبابة الوالبية صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين عليه السلام وقال لها : من طبع فيها فهو إمام ، وبقيت إلى أيام الرضا عليه السلام ، فطبع فيها ، وقد شهدت من تقدم من آبائه عليهم السلام وطبعوا فيه ، وهو - عليه السلام - آخر من لقيتهم ، وماتت بعد لقائها إياه ، وكفّنها في قميصه . . معجم رجال الحديث للسيد الخوئي رحمه الله : 24/211 رقم 15636 . انظر للمزيد كتاب «زوّارة الحسين عليه السلام حبابة الوالبية» للسيد جلال الحسيني - حفظه اللّه.

وحذيفة بن أسيد(1) .

والجارود بن أبي بشر(2) .

ص: 231


1- قال الشيخ الأميني رحمه الله في الغدير : 1/25 رقم 31 : حذيفة بن أسيد أبو سريحة - بفتح السين - الغفاري من أصحاب الشجرة ، توفي 40 - 42 ، روى حديث الغدير . . وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي رحمه الله : 5/222 رقم 2621 : حذيفة بن أسيد : الغفاري : أبو سرعة ، صاحب النبي صلى الله عليه و آله ، وهو ابن أميّة آمنة ، من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، رجال الشيخ ، وذكره في أصحاب الحسن عليه السلام ، وذكره البرقي في أصحاب الحسن عليه السلام ، وقد عدّ من حواري الحسن المجتبى عليه السلام في رواية أسباط بن سالم - المتقدّمة - في أويس القرني .
2- قال النمازي في المستدرك : 2/111 رقم 2417 : الجارود بن المنذر : عدّه الشيخ بهذا العنوان في أصحاب الحسن المجتبى عليه السلام . . وذكر النمازي إثنين آخرين باسم الجارود بن المنذر ، أحدهما العبدي والآخر الكندي الكوفي ، والأوّل وفد على النبي صلى الله عليه و آله ، وأسلم وحسن إيمانه ، والآخر من أصحاب الصادق عليه السلام ، وله كتاب ، ولم يستبعد أن يكون متّحدا . وقال الأمين في الأعيان : 4/56 : الجارود بن أبي بشر ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن عليه السلام ، وفي لسان الميزان : الجارود بن أبي بشر ذكره الطوسي في رجال الشيعة وق-ال : روى الحس-ن بن علي بن أبي طالب ، قلت : وأنا أظنّ أنّه الجارود الصحابي المشهور ، فإنّ اسمه بشر والجارود لقب ، فهو ابن أبي بشر ، لكنّه استشهد في أيام عمر فيما قيل .

والجارود بن المنذر .

وقيس بن أشعث بن سوار(1) !

وسفيان بن أبي ليلى الهمداني(2) .

ص: 232


1- قال النمازي في مستدركات علم رجال الحديث : 6/284 رقم 11907 : قيس بن الأشعث : لم يذكروه ، هو ملعون أخذ قطيفة الحسين عليه السلام ( بحار الأنوار : 45/58 و60 ، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث بحار الأنوار : 45/62 ، وهو الذي كان كتب إلى مولانا الحسين عليه السلام يدعوه ، ثم صار في جند بني أميّة ( بحار الأنوار : 45/7 ) ، ولعلّه متّحد مع قيس بن الأشعث بن سوار الذي عدّه ابن شهرآشوب من أصحاب الحسن المجتبى عليه السلام .
2- اختيار معرفة الرجال للطوسي رحمه الله : 1/39 رقم 20 : محمد بن قولويه ، قال حدّثني سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف ، قال :حدّثني علي بن سليمان بن داود الرازي ، قال : حدّثنا علي بن أسباط عن أبيه أسباط بن سالم قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري محمد بن عبد اللّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر . ثم ينادي مناد : أين حواري علي بن أبي طالب عليهماالسلام وصيّ محمد بن عبد اللّه رسول اللّه ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني . قال : ثم ينادي المنادي : أين حواري الحسن بن علي بن فاطمة بنت محمد بن عبد اللّه رسول اللّه عليهم السلام ؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلى الهمداني وحذيفة بن أسيد الغفاري . . . .

وعمرو بن قيس المشرقي(1) .

وأبو صالح كيسان بن كليب(2) .

ص: 233


1- عمرو بن قيس المشرقي : عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الحسن عليه السلام ، ومن أصحاب الحسين عليه السلام ، وعده البرقي في أصحاب الحسين عليه السلامالذين هم من أصحاب أبي محمد الحسن عليه السلام . وقال الكشي : وجدت بخطّ محمد بن عمر السمرقندي ، وحدّثني بعض الثقات من أصحابنا ، قال : حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران القمّي ، قال : حدّثني محمد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن أبيه ، عن أبي الجارود ، عن عمرو بن قيس المشرقي ، قال : دخلت على الحسين بن علي عليهماالسلام - أنا وابن عمّ لي - وهو في قصر بني مقاتل ، فسلّمت عليه ، فقال له ابن عمّي : يا أبا عبد اللّه ، هذا الذي أرى خضاب أو شعرك ؟ فقال : خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم أسرع عجل . ثم أقبل علينا ، فقال : جئتما لنصرتي ؟ فقلت له : أنا رجل كبير السنّ ، كثير العيال ، وفي يدي بضائع للناس ولا أدري ما يكون ، وأكره أن تضيع أمانتي !!! فقال له ابن عمّي مثل ذلك . فقال لي : فانطلقا فلا تسمعا لي واعية ، ولا تريا لي سوادا ، فإنّه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجب واعيتنا ، كان حقّا على اللّه أن يكبّه على منخريه في نار جهنم . معجم رجال الحديث - السيد الخوئي : 14/135 رقم 8988 .
2- قال النمازي في مستدركات علم رجال الحديث : 6/317 رقم 12041 : كيسان بن كليب أبو صادق : من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين والسجاد والباقر صلوات اللّه عليهم ، كذا في رجال العلامة المامقاني ناقلاً عن الشيخ ، وبعد رأيته مثله في رجال الشيخ ، إلاّ أنّه في باب أصحاب الباقر عليه السلام ذكره ثم قال : وهو من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أيضا ، ولم يذكره في باب أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وعده في المناقب من أصحاب الحسن المجتبى عليه السلام .

وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي(1) .

ومسلم بن بطين(2) .

وأبو رزين مسعود بن أبي وائل(3) .

وهلال بن يساف(4) .

ص: 234


1- وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي رحمه الله : 15/140 رقم 9792 : لوط بن يحيى : قال النجاشي : لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سالم سليم ظ الأزدي الغامدي : أبو مخنف ، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه ، روى عن جعفر بن محمد عليهماالسلام ، وقيل : إنّه روى عن أبي جعفر ، ولم يصحّ ، وصنف كتبا كثيرة . . . وقال الشيخ : لوط بن يحيى : يكنى أبا مخنف ، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن أصحاب الحسن والحسين عليهماالسلام ، على ما زعم الكشي ، والصحيح أنّ أباه كان من أصحاب علي عليه السلام ، وهو لم يلقه ، له كتب كثيرة في السير . . . وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي رحمه الله أيضا : 15/142 : قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء : أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي : أبوه من أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، له كتب كثيرة في السير كمقتل الحسين عليه السلام ، مقتل محمد بن أبي بكر ، مقتل عثمان ، الجمل وصفين ، خطبة الزهراء . . .
2- قيل : هو مسلم البطين ، كما في معجم رجال الحديث للسيد خوئي رحمه الله .
3- في قاموس الرجال للتستري رحمه الله : 10/57 : مسعود بن أبي وائل يكنى أبا رزين قال : عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن عليه السلام ، أقول : الذي وجدت في رجال الشيخ ونقل عنه الوسيط « مسعود مولى أبي وائل . . . » لا « بن أبي وائل » ، كما قال ، وكيف كان : ففي التقريب : مسعود بن مالك أبو رزين الأسدي ، ثقة فاضل ، مات سنة 85 ، ولعلّ الأصل فيهما واحد .
4- في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي رحمه الله : 20/341 رقم 13398 : هلال بن نساف : من أصحاب الحسن عليه السلام ، رجال الشيخ . وقال التستري رحمه الله في قاموس الرجال : 10/574 : هلال بن نساف قال : عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الحسن عليه السلام ، أقول : الصواب يساف « بالياء » لا نساف « بالنون » ، قال ابن حجر : « هلال بن يساف : بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء » ، ويقال : ابن أساف - الأشجعي ، مولاهم كوفي ثقة ، من الثالثة ، وظاهر سكوته عن مذهبه عامّيته ، وعنوان الشيخ في الرجال أعمّ ، لا كما قال المصنف .

وأبو إسحاق بن كليب السبيعي(1) .

أصحابه من خواصّ أبيه

وأصحابه من خواصّ أبيه مثل :

حجر ، ورشيد ، ورفاعة .

وكميل ، والمسيب ، وقيس .

وابن وائلة ، وابن الحمق .

وابن أرقم ، وابن صرد .

وابن عقلة ، وجابر .

والدؤلي ، وحبّة .

وعباية ، وجعيد .

وسليم ، وحبيب بن قيس .

ص: 235


1- قال السيد الخوئي رحمه الله في معجم رجال الحديث: 22/20 - 21 رقم 13925: أبو إسحاق السبيعي بن كليب : عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الحسن عليه السلام . . . وعدّ في النسخة المطبوعة من رجال الشيخ : ابن كليب رجلاً آخر غير أبي إسحاق السبيعي ، وهو غلط جزما .

والأحنف ، والأصبغ ، والأعور .

ممّا(1) لا يحصى كثرة .

في الحساب

الحسن بن علي ميزانه في الحساب(2) : . . .

قال الكميت :

ووصيّ الوصيّ ذو الحطّة الفصل

ومردي الخصوم يوم الخصام

* * *

وقال ابن بابك :

فأنتم للوصيّ البرّ نسل

وأنتم للنبي الطهر آل

أبوكم حامل العزم المؤدّي

وقد أردى على الرشد الضلال

وأمّكم البتول وفي علي

غلا الغالون واتّسع المقال

أذلّ الشرك فاعتلت قواه

ومن ضرب على الجن الحجال

فمشّى الأسد في ربق المواشي

وساق الربد(3) تقطرها الحبال

* * *

وقال مهيار :

وإذا قريش طاولت بفخارها

في عصر إيمان وعهد فسوق

ص: 236


1- في المخطوطة : « فيما » .
2- هنا سقط واضح في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة .
3- الربد : جمع أربد : وهو الأسد ، والربد : فرند السيف ، والربد : الحبس .

بنتم بما بانت على أخواتها

بمنى ليالي النحر والتشريق

يتوارثون الأرض إرث فريضة

ويملكون الناس ملك حقوق

* * *

وقال سديف :

أنتم يا بني علي ذووا الحقّ

وأهلوه والفعال الزكي

بكم يهتدى من الغيّ والناس

جميعا سواكم أهل غي

منكم يعرف الإمام وفيكم

لا أخو تيمها ولا من عدي

* * *

وقال ابن حماد :

يا أهل بيت رسول اللّه إنّكم

لأشرف الخلق جدّا غاب أو آبا

أعطاكم اللّه ما لم يعطه أحدا

حتى دعيتم لعظم الفضل أربابا

أشباحكم كن في بدو الظلال(1) له

دون البريّة خزّانا وحجّابا

وأنتم الكلمات اللائي لقّنها

جبريل آدم عند الذنب إذ تابا

وأنتم قبلة الدين الذي جعلت

للقاصدين إلى الرحمن محرابا

صلّى الإله على أرواحكم وسقى

أجداثكم ودقّ الوسمي(2) سكابا

* * *

ص: 237


1- في النسخ : « الضلال » .
2- الوسمي : أوّل مطر السنة .

ص: 238

فصل 10 : في وفاته وزيارته عليه السلام

اشارة

ص: 239

ص: 240

دسّ معاوية الى جعدة فسمّته عليه السلام

لمّا تمّ من إمارة معاوية عشر سنين ، وعزم على البيعة ليزيد دسّ إلى جعدة بنت الأشعث - زوجة الحسن عليه السلام - :

إنّي مزوّجك من يزيد ابني على أن تسمّي الحسن عليه السلام ، وبعث إليها مائة ألف درهم .

فقتلته وسمّته ، فسوّغها المال ، ولم يزوّجها من يزيد .

فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، وكان إذا جرى كلام عيّروهم وقالوا : يا بني مسمّة الأزواج(1) .

سقي السمّ مرارا

كتاب الأنوار : أنّه قال عليه السلام : سقيت السمّ مرّتين ، وهذه الثالثة .

وقيل : إنّه سقي برادة(2) الذهب(3) .

روضة الواعظين : في حديث عمر بن إسحاق : أنّ الحسن عليه السلام قال :

ص: 241


1- روضة الواعظين : 167 ، مقاتل الطالبيين : 48 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/128 ، الإرشاد للمفيد : 2/16 .
2- البرادة : ما سقط من الحديد ونحوه عند البرد .
3- دلائل الإمامة : 160 .

لقد سقيت السمّ مرارا ، ما سقيت مثل هذه المرّة ، لقد قطعت(1) قطعة قطعة من كبدي ، فجعلت أقلّبها بعود معي .

وصيّته عليه السلام فيمن سمّه

وفي رواية عبد اللّه البخاري : أنّه عليه السلام قال : يا أخي ، إنّي مفارقك ولاحق بربّي ، وقد سقيت السمّ ، ورميت بكبدي في الطشت ، وإنّني لعارف بمن سقاني ، ومن أين دهيت ، وأنا أخاصمه إلى اللّه - عزّ وجلّ - .

فقال له الحسين عليه السلام : ومن سقاكه ؟ قال : ما تريد به ؟ أتريد أن تقتله ؟ إن يكن هو هو ، فاللّه أشدّ نقمة منك ، وإن لم يكن هو ، فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء(2) .

وفي خبر : فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث اللّه فيّ .

وفي خبر : وباللّه أقسم عليك أن لا تهريق في أمري محجمة من دم(3) .

ص: 242


1- في المخطوطة : « تقطّعت » .
2- الخبر عامّي ، ولا شكّ أنّ الإمام عليه السلام عارف بمن سمّه معرفة يقينية لا على نحو الشكّ والظنّ والترديد ، كما أنّ الإمام الحسين عليه السلام أيضا عارف به ، فهما إمامان عالمان عن اللّه ، وربما سأل سيّد الشهداء عليه السلام ليصحر السبط الأكبر عليه السلام باسمه ، ويعلنه على رؤوس الأشهاد ، أمّا أن يكون الجواب على نحو التردّد ، فهو موافق للعامّة واعتقاداتهم في الأئمة عليهم السلام .
3- روضة الواعظين : 168 ، مقاتل الطالبيين : 48 ، الإرشاد للمفيد : 2/16 .

قال ابن حماد :

سعى في قتله الرجس ابن هند

ليشفي منه أحقادا ووغما(1)

وأطمع فيه جعدة أم عبسولم يوف بها فسقته سمّا

* * *

وله أيضا :

لمن ذا من بني الزهراء أبكي

بدمع هامر(2) ودم غزير

أللمسموم بالأحقاد أبكيأم المقتول ذي النحر النحير

* * *

وقال العلوي :

شاعوا بقتل علي وسط قبلته

حقدا وثنوا بسمّ لابنه الحسن

وأظهروا ويلهم رأس الحسين على

رمح يطاف به في سائر المدن

هذا لأنّ رسول اللّه جدّهم

أوصى بحفظهم في السرّ والعلن

* * *

وقال الصقر البصري :

لو أنّ عينك عاينت بعض الذي

ببنيك حلّ لقد رأيت فظائعا

أمّا ابنك الحسن الزكي فإنّه

لمّا مضيت سقوه سمّا ناقعا

هرّوا به كبدا لديك كريمة

منه وأحشاءا به وأضالعا

وسقوا حسينا بالطفوف على الظما

كأس المنيّة فاحتساها جارعا

ص: 243


1- الوغم : الحقد الثابت في الصدر .
2- همر الماء : انصب .

قتلوه عطشانا بعرصة كربلا

وسبوا حلائله وخلّف ضائعا

جسدا بلا رأس يمدّ على الثرى

رجلاً له ويكفّ أخرى نازعا

* * *

معاوية يشمت بشهادة الإمام عليه السلام

ربيع الأبرار عن الزمخشري ، والعقد عن ابن عبد ربّه : أنّه لمّا بلغ معاوية موت الحسن بن علي عليهماالسلام سجد وسجد من حوله ، وكبّر وكبّروا معه .

فدخل عليه ابن عباس ، فقال له : يا ابن عباس ، أمات أبو محمد ؟ قال : نعم رحمه اللّه ، وبلغني تكبيرك وسجودك ، أما - واللّه - ما يسدّ جثمانه حفرتك ، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك .

قال : حسبته ترك صبية صغارا ، ولم يترك عليهم كثير معاش ، فقال : إنّ الذي وكلهم إليه غيرك - وفي رواية : كنّا صغارا فكبرنا(1) - .

قال : فأنت تكون سيّد القوم ، قال : أما أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهماالسلام

باق فلا .

قال الفضل بن عباس :

أصبح اليوم ابن هند آمنا

ظاهر النخوة إذ مات الحسن

رحمة اللّه عليه إنّما

طالما أشجى ابن هند وأرن(2)

ص: 244


1- العقد الفريد لابن عبد ربّه : 2/125 « فضائل معاوية » ، ربيع الأبرار للزمخشري : 1/431 .
2- الإرنان : الصيحة الشديدة .

استراح القوم منه بعده

إذ ثوى رهنا لأجداث الزمن

فارتع اليوم ابن هند آمنا

أينما يقمص(1) بالعير السمن

* * *

بين الحسنين عليه السلام ساعة الاحتضار

وحكي أنّ الحسن عليه السلام لمّا أشرف على الموت قال له الحسين عليه السلام : أريد أن أعلم حالك يا أخي ، فقال الحسن عليه السلام : سمعت النبي صلى الله عليه و آله يقول : لا يفارق العقل منّا أهل البيت ما دام الروح فينا ، فضع يدك في يدي حتى إذا عاينت ملك الموت أغمز يدك ، فوضع يده في يده .

فلمّا كان بعد ساعة غمز يده غمزا خفيفا ، فقرّب الحسين عليه السلام أذنه إلى فمه ، فقال :

قال لي ملك الموت : أبشر ، فإنّ اللّه عنك راض وجدّك شافع(2) .

ص: 245


1- قمص : وثب ، وقمص العير : نفر وأعرض قلقا .
2- لم نجد هذه الحكاية فيما توفّر لدينا من المصادر ، وقد نقلها المؤلف بصورة الحكاية ، وهي حكاية عامّية لم ترد في طرق أهل البيت عليهم السلام ، وكأنّها تريد أن تجعل من الإمام عليه السلام وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، مستكشفا لما سيقع ويحصل إن كان السبط الأكبر أو سيّد الشهداء الحسين عليه السلام ، وهل شكّ أحدهما - والعياذ باللّه - أنّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وأنّه الشافع المشفّع ، ثمّ إنّنا نجد في رواياتنا وأحاديثنا من البشرى والحفاوة بالمؤمن عند موته أضعاف مضاعفة لا تقاس أبدا بما حكاه هذا الخبر لسيّد شباب أهل الجنّة عليه السلام .

تجهيزه وتشييعه عليه السلام

وكان الحسن عليه السلام أوصى يجدّد عهده عند جدّه ، فلمّا مضى لسبيله غسّله الحسين عليه السلام ، وكفّنه وحمله على سريره .

فلمّا توجه بالحسن عليه السلام إلى قبر جدّه أقبلوا إليهم في جمعهم ، وجعل مروان يقول :

« يا ربّ هيجا هي خير من دعة »

أيدفن عثمان في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع النبي ! أما لا يكون ذلك أبدا ، وأنا أحمل السيف .

فبادر ابن عباس ، وكثر مقالاً حتى قال : ارجع من حيث جئت ، فإنّا لا نريد دفنه ها هنا ، ولكنّا نريد أن نجدّد عهدا بزيارته ، ثم نردّه إلى جدّته فاطمة عليهاالسلام ، فندفنه عندها بوصيّته ، فلو كان وصّى بدفنه مع النبي صلى الله عليه و آله لعلمت أنّك أقصر باعا من ردّنا عن ذلك ، لكنّه كان أعلم بحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما(1) .

ورموا بالنبال جنازته حتى سلّ منها سبعون نبلاً .

قال ابن حماد :

فنازعه أناس لم يذوقوا

وحقّ اللّه للإسلام طعما

أيدفن جنب أحمد أجنبي

ويمنع سبطه منه ويحمى

ألم يكن ابنه الحسن الزكي

له لحما بلى ودما وعظما

ص: 246


1- روضة الواعظين : 168 ، الإرشاد للمفيد : 2/18 .

وقال الصقر البصري :

وأتوا به ليضاجعوك بجسمه

فأتاه قوم مانعوه فمانعا

منعوا أعزّ الخلق منك قرابة

ورضوا بجسمك للغريب مضاجعا

* * *

تبغّل عائشة

قال ابن عباس : فأقبلت عائشة في أربعين راكبا على بغل مرحّل ، وهي تقول : ما لي ؟ ولم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ !

فقال ابن عباس بعد كلام :

جمّلت وبغّلت

ولو عشت لفيّلت(1)

* * *

قال الصقر البصري :

ويوم الحسن الهادي

على بغلك أسرعت

ومايست(2) ومانعت

وخاصمت وقاتلت

وفي بيت رسول اللّه

بالظلم تحكّمت

هل الزوجة أولى با

لمواريث من البنت

لك التسع من الثمن

فبالكلّ تحكّمت

تجمّلت تبغّلت

ولو عشت تفيّلت

ص: 247


1- الإرشاد للمفيد : 2/18 ، أمالي الطوسي : 161 ح 267 ، الخرائج : 1/242 ، بشارة المصطفى : 419 .
2- الميس : التبختر .

رثاء الإمام الحسين عليه السلام

رثاء سيّد الشهداء عليه السلام

وقال الحسين عليه السلام لمّا وضع الحسن عليه السلام في لحده :

أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي

ورأسك معفور وأنت سليب

أو استمتع الدنيا لشيء أحبّه

ألا كلّ ما أدنى إليك حبيب

فلا زلت أبكي ما تغنّت حمامة

عليك وما هبّت صبا وجنوب

وما هملت عيني من الدمع قطرة

وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب

بكائي طويل والدموع غزيرة

وأنت بعيد والمزار قريب

غريب وأطراف البيوت تحوطه

ألا كلّ من تحت التراب غريب

ولايفرح الباقي خلاف الذي مضى

وكلّ فتى للموت فيه نصيب

فليس حريبا(1) من أصيب بماله

ولكنّ من وارى أخاه حريب

نسيبك من أمسى يناجيك طرفهوليس لمن تحت التراب نسيب(2)

* * *

وله أيضا عليه السلام :

إن لم أمت أسفا عليك فقد

أصبحت مشتاقا إلى الموت

* * *

ص: 248


1- الحريب : من سلب ماله .
2- مروج الذهب للمسعودي : 1/347 .
سليمان بن قتّة

وقال سليمان بن قتة(1) :

ما كذب اللّه من نعى حسنا

ليس لتكذيب نعيه حسن

كنت خليلي وكنت خالصتي

لكلّ حيّ من أهله سكن

أجول في الدار لا أراك وفي

الدار أناس جوارهم غبن

بدّلتهم منك ليت أنّهم

أضحوا وبيني وبينهم عدن(2)

* * *

دعبل

وقال دعبل :

تعزّ بمن قد مضى سلوة

وإنّ العزاء يسلّي الحزن

بموت النبي وقتل الوصيّ

وذبح الحسين وسمّ الحسن

* * *

منبه الصوفي

وقال منبه الصوفي :

محن الزمان سحائب متراكمه

عين الحوادث بالفواجع ساجمه(3)

فإذا الهموم تراكمتك فسلّهابمصاب أولاد البتولة فاطمه

ص: 249


1- في النسخ : « قمه » .
2- مقاتل الطالبيين : 50 .
3- سجم الدمع : سال وانصب .

زيارته عليه السلام

الصادق عليه السلام : بينا الحسن عليه السلام يوما في حجر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ رفع رأسه فقال : يا أبت ، ما لمن زارك بعد موتك ؟

فقال : يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله الجنّة ، ومن أتاك زائرا بعد موتك فله الجنّة(1)(2) .

ص: 250


1- كامل الزيارات : 39 باب 1 ح1 ، تهذيب الأحكام للطوسي : 6/20 ح44 ، روضة الواعظين للفتال : 168 ، المزار للمفيد : 19 ح 1 .
2- في الكافي: 4/567 ح20، ومن لايحضره الفقيه : 2/577 ح3160 ، وكامل الزيارات: 121 باب 43 ح2 : أَبُو عَلِيٍّ الأَشْعَرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ : سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْدا فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِ وَشِيعَتِهِ ، وَإِنَّ مِنْ تَمَامِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ ، وَحُسْنِ الأَدَاءِ زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ ، فَمَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ ، وَتَصْدِيقا بِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وفي الأخير : عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أسباط عن عثمان بن عيسى عن المعلى بن أبي شهاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال : الحسين عليه السلام لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما جزاء من زارك ؟ فقال : يا بني ، من زارني حيّا أو ميتا ، أو زار أباك ، أو زار أخاك ، أو زارك ، كان حقّا عليّ أن أزوره يوم القيامة حتى أخلّصه من ذنوبه . وفيه أيضا : عن محمد بن علي عليهماالسلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا علي ، من زارني في حياتي ، أو بعد موتي ، أو زارك في حياتك أو بعد موتك ، أو زار ابنيك في حياتهما ، أو بعد موتهما ، ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها وشدائدها حتى أصيّره معي في درجتي . وفيه أيضا : عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من زارني أو زار أحدا من ذريّتي زرته يوم القيامة فأنقذته من أهوالها .

الفهرست

باب في إمامة السبطين عليهماالسلام

فصل 1 : في الاستدلال على إمامتهما عليهماالسلام

( 7 - 40 )

الآيات··· 9

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ··· 9

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ . .··· 9

الاستدلال بالنصّ على إمامة الإثني عشر··· 10

الاستدلال بدعوتهما الناس الى بيعتهما··· 10

الاستدلال بانطباق النصّ والوصف عليهما··· 10

الاستدلال بفسق وكفر معاوية ويزيد··· 11

الاستدلال بإجماع أهل البيت عليهم السلام··· 11

الاستدلال بقوله صلى الله عليه و آله إمامان قاما أو قعدا··· 11

الاستدلال بكونهما أفضل الخلق··· 11

الاستدلال بكون الخلافة في أولاد الأنبياء··· 12

ص: 251

الاستدلال بقبول النبي صلى الله عليه و آله بيعتهما··· 12

الاستدلال بإيجاب ثواب الجنّة لهما مع ظاهر الطفولية··· 12

الإستدلال بالمباهلة··· 12

أسانيد حديث المباهلة··· 15

مجمع حديث المباهلة··· 17

سورة هل أتى··· 25

في الحساب··· 30

هم عباده الذين اصطفى··· 36

هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ··· 36

أنّهما التين والزيتون والرحمة والنور··· 37

نكت··· 38

فصل 2 : في محبّة النبي صلى الله عليه و آله إياهما عليهماالسلام

( 41 - 58 )

حبّهما عليهماالسلام··· 43

وجه التشبيه بالريحان··· 48

شفقته صلى الله عليه و آله عليهما··· 49

تعويذهما··· 49

أذّن في أذنيهما وعقّ عنهما··· 50

تقبيلهما··· 51

إجلاسهما في حجره··· 51

ص: 252

إيثارهما على نفسه صلى الله عليه و آله··· 53

فرط محبّته لهما··· 55

فصل 3 : في المفردات من مناقبهما عليهماالسلام

( 59 - 68 )

أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله··· 61

ملاعبته صلى الله عليه و آله معهما··· 62

ترقّ عين بقّة··· 64

قول أبي بكر للحسن عليه السلام··· 66

قول أمّ سلمة للحسن عليه السلام··· 66

قول أمّ الفضل للحسين عليه السلام··· 66

نقش خاتم الباقر عليه السلام··· 67

فصل 4 : في معجزاتهما عليهماالسلام

( 69 - 78 )

برقت لهما برقة أضاءت لهما··· 71

نوح الجنّ على الحسين عليه السلام··· 72

فارس يبشّر بهما··· 72

تسبيح الرمان والعنب··· 73

زينة العيد من الجنّة··· 73

رائحة التفّاح عند قبر الحسين عليه السلام··· 74

ص: 253

جام البلور الأحمر··· 75

نزول ملك على صفة الطير على يديهما عليهماالسلام··· 77

تعويذهما زغب جناح جبرئيل··· 77

النبي وجبرئيل عليهماالسلام يستنهضانهما··· 78

فصل 5 : في معالي أمورهما عليهماالسلام

( 79 - 96 )

الآيات··· 81

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ··· 81

أنّهما إمامان قاما أو قعدا بالإجماع··· 81

أنّهما سيدا شباب أهل الجنّة··· 82

في الحساب··· 84

إضافة ركعتين على نوافل المغرب حبّا لهما··· 86

أنّهما زينت العرش والجنّة··· 86

شبههما بالنبي صلى الله عليه و آله··· 88

تسميتهما··· 89

انفرادهما بالاسم··· 92

فيما انفردا عليهماالسلام به··· 94

بينهما طهر واحد··· 94

النسب··· 94

قول الأعمش··· 95

قول واعظ··· 95

ص: 254

فصل 6 : في مكارم أخلاقهما عليهماالسلام

( 97 - 104 )

مشيهما عليهماالسلام الى بيت اللّه الحرام··· 99

جوابهما على مسألة عجز عنها ابن الزبير وابن عثمان··· 99

استجار مذنب بهما فأطلقه النبي صلى الله عليه و آله··· 100

رجل نذر أن يدهن رجلي أفضل قريش··· 100

إمساك ابن عباس الركاب لهما··· 101

علّما شيخا كيف يحسن الوضوء··· 101

ما تكلّم الحسين عليه السلام بين يدي الحسن عليه السلام··· 101

مقارنة··· 102

نكات في حروف الأسماء··· 102

باب إمامة أبي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام

فصل 1 : في المقدّمات

( 107 - 116 )

الآيات··· 109

إِنَّ الأَْبْرارَ··· 109

فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ··· 109

وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ··· 110

ص: 255

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ··· 110

فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى··· 110

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ··· 111

كَلاّ إِنَّ كِتابَ الأَْبْرارِ··· 111

قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى··· 111

إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ . .··· 112

النداء ثلاثة··· 112

خطبة للصاحب··· 113

قالوا في الإمام الحسن عليه السلام··· 114

في الحساب··· 115

فصل 2 : في معجزاته عليه السلام

( 117 - 126 )

دعا أبا سفيان للإسلام وهو ابن أربعة عشر شهرا··· 119

أطعم زبيريا رطبا من نخلة يابسة··· 119

إخباره أنّ داره لم تحترق··· 120

دعا عليه السلام على زياد فأهلكه··· 120

ادّعى رجل على الحسن عليه السلام مالاً كذبا فأحلفه عليه السلام فهلك··· 121

معجزتان في طريق الحجّ··· 121

إذا جلس عليه السلام انقطع الطريق وإذا مشى نزل الناس··· 122

كان يحفظ الوحي ويلقي على أمّه . .··· 123

ص: 256

إخباره أنّ قاتله في بيته··· 123

إخباره عليه السلام عن ملكهم··· 124

لو دعوت اللّه لجعل الرجل مرأة والمرأة رجلاً··· 125

مباهاته عليه السلام··· 125

فصل 3 : في علمه وفصاحة عليه السلام

( 127 - 140 )

نحن الذين نعلم··· 129

فيّ عزّة··· 129

عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك··· 129

للّه مدينتان ما عليهما حجّة غير الحسنين عليهماالسلام··· 129

سئل عليه السلام عن بدو الزكاة··· 130

جوابه عليه السلام على مسألة عجز عنها الأدعياء··· 130

حكمه في جارية زفّت فافتضتها ضرّتها··· 131

حكم عليه السلام في مسألة بحكم أمير المؤمنين عليه السلام··· 132

من أحيى نفسا فلا يجب عليه قود··· 132

لو كنت بالمدينة لأريتك منازل جبرئيل من ديارنا··· 134

خطبة له عليه السلام··· 134

خطبة له عليه السلام أمام معاوية··· 135

خطبة أخرى له عليه السلام أمام معاوية··· 136

جواب مسائل ملك الروم··· 137

ص: 257

جواب مسائل الشاميّ··· 138

سنّ عدد التكبيرات في صلاة العيدين··· 138

سبب الطلق عند النساء··· 139

فصل 4 : في مكارم أخلاقه عليه السلام

( 141 - 160 )

زهده عليه السلام··· 143

إستعداده عليه السلام للعبادة··· 143

حجّه عليه السلام ماشيا وخروجه من ماله··· 144

تعجّب يوسف منه عليهماالسلام··· 145

إنّ للماء سكانا··· 146

من شعره عليه السلام··· 146

سخائه عليه السلام··· 149

أعطى المال ودفع كراء الحمّال··· 149

أعطى ما في الخزانة قبل أن يسئل··· 149

أكرم عجوزا سقته وأطعمته··· 150

وهب لرجل ديّته··· 150

سأله رجل أربعمائة درهم فأعطاه أربعة آلاف··· 151

سأل رجل ربّه عشرة آلاف درهم فدفعها له··· 151

إنّما وضع الطعام ليؤكل··· 151

شكى له رجل عبدا أبق فدفع له ثمنه··· 151

ص: 258

ما متّع به أزواجه··· 152

حيّته جارية بطاقة ريحان فأعتقها··· 153

من شعره عليه السلام··· 154

همّته عليه السلام··· 155

أعطي بارنامجا فدفعه الى خادم خصف نعله··· 155

ردّ على معاوية عطاءه··· 155

إعطاؤه البغلة لابن أبي عتيق··· 156

حلمه عليه السلام··· 157

حلمه عمّن أساء اليه··· 157

حلمه عن مروان··· 158

لم يسمع قطّ منه كلمة فيها مكروه إلاّ مرّة··· 159

فصل 5 : في سيادته عليه السلام

( 161 - 172 )

سيّد شباب أهل الجنّة··· 163

سيّد يصلح اللّه به بين فئتين··· 163

شبهه عليه السلام بالنبي صلى الله عليه و آله··· 164

مقارنة بينه وبين أخيه محمد في الجمل··· 165

أبي خير من أمّي··· 166

مفاخرة قريش عند معاوية··· 166

مفاخرته مع معاوية··· 167

ص: 259

مفاخرة أخرى بينهما··· 167

لماذا يبغض يزيد الحسن عليه السلام··· 168

زياد ينسب الحسن عليه السلام لأمّه ومعاوية يوبخه··· 169

دعاه الفقراء على كسيرات فأجاب··· 170

الحسن عليه السلام يوبخ معاوية··· 170

جوابه على كلام معاوية ومروان··· 170

توبيخه عليه السلام لحبيب الفهري··· 171

مجنون يستدلّ بالقرآن على أفضلية الحسن عليه السلام··· 172

فصل 6 : في محبّة النبي صلى الله عليه و آله إياه عليه السلام

( 173 - 184 )

النبي صلى الله عليه و آله يصلّي والحسن عليه السلام يصعد على ظهره··· 175

اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه··· 176

تقبيل النبي صلى الله عليه و آله إياه··· 177

أجرى النبي صلى الله عليه و آله له مراسيم الولادة··· 178

شرّفهما بما شرّفهما به اللّه ··· 180

فصل 7 : في تواريخه وأحواله عليه السلام

( 185 - 194 )

تاريخ ولادته ومدّة عمره عليه السلام··· 187

حليته عليه السلام وأصحابه··· 187

ص: 260

نوّابه··· 188

بيعته وأيام خلافته عليه السلام··· 188

أسماؤه عليه السلام··· 188

كنيته عليه السلام··· 189

ألقابه عليه السلام··· 189

أمّه عليهماالسلام··· 189

شهادته عليه السلام ومدّة إمامته··· 189

تجهيزه عليه السلام وموضع قبره··· 190

أولاده عليه السلام··· 190

بناته عليه السلام··· 190

شهداء الطفّ من أولاده عليهم السلام··· 191

المعقّبون من أولاده عليه السلام··· 191

عدد أزواجه عليه السلام··· 191

إقامة زوجة الحسن بن الحسن سنة على قبره··· 192

فصل 8 : في صلحه عليه السلام مع معاوية

( 195 - 212 )

خطبته عليه السلام بعد شهادة أبيه عليه السلام··· 197

كلام ابن عباس معه عليه السلام··· 197

تبادل الكتب بينه عليه السلام وبين معاوية··· 197

خطبة عليه السلام في ساباط وخذلان القوم··· 199

ص: 261

سلبوا الإمام عليه السلام وهو حيّ··· 200

خيانة القوم وفرار عبيد اللّه بن عباس··· 201

شروط الصلح··· 202

خطبته عليه السلام في صلح معاوية··· 203

إمتناع الحسين عليه السلام عن البيعة··· 205

خطبة معاوية بعد الصلح··· 205

موقف سليمان بن صرد الخزاعي··· 206

موقف حجر بن عدي !··· 207

من شعره عليه السلام··· 207

عذلوا الإمام المعصوم عليه السلام !!··· 208

الأمويون القردة ينزون على منبر النبي صلى الله عليه و آله··· 209

خطبة معاوية في الكوفة وردّ الإمام عليه السلام··· 210

فصل 9 : في المفردات

( 213 - 238 )

وصية أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهماالسلام··· 215

خيانة ابن عمر في صفين وردّ الإمام عليه السلام··· 223

نساء خطبهن الإمام عليه السلام··· 224

زواجه عليه السلام بأمّ خالد !··· 225

خطبة الإمام عليه السلام بنت عثمان وخطبة يزيد بنت ابن جعفر··· 226

مدينتين للّه حجتّه فيهما الحسن والحسين عليهماالسلام··· 229

ص: 262

انزل عن منبر أبي··· 229

أصحاب الإمام الحسن عليه السلام··· 230

أصحابه من خواصّ أبيه··· 235

في الحساب··· 236

فصل 10 : في وفاته وزيارته عليه السلام

( 239 - 250 )

دسّ معاوية الى جعدة فسمّته عليه السلام··· 241

سقي السمّ مرارا··· 241

وصيّته عليه السلام فيمن سمّه··· 242

معاوية يشمت بشهادة الإمام عليه السلام··· 244

بين الحسنين عليه السلام ساعة الاحتضار··· 245

تجهيزه وتشييعه عليه السلام··· 246

تبغّل عائشة··· 247

رثاء الإمام الحسين عليه السلام··· 248

رثاء سيّد الشهداء عليه السلام··· 248

سليمان بن قتّة··· 249

دعبل··· 249

منبه الصوفي··· 249

زيارته عليه السلام··· 250

الفهرست··· 251

ص: 263

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.